تحقيقات وتقارير

الخرطوم واشنطن.. دبلوماسية الرمال المُتحرِّكة

ظَلّت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسودان منذ يونيو 1989 حين وصل نظام الرئيس عمر البشير إلى سَدّة الحكم، تَمُر بحالةٍ من المَدِّ والجَزر لتعقيدات تعود لحالة التّصادُم بين الأيدولوجية والسِّياسيَّة، حتى وصلت إلى مُفترق طُرق عندما فرضت واشنطن العقوبات الاقتصادية الصارمة نوفمبر 1997، وأثّرت على قطاعات حيوية واسعة، وقُدِّرت خسائرها بنحو (41) مليار دولار، واستمرّت الخرطوم على ذات النّسق السِّياسي تَسير على رمال واشنطن المُتحرِّكة التي لا تأمن لموضع قدم لها مع كل خطوة تخطوها، ففيما تبقي واشنطن على كل العُقُوبات المفروضة على الخرطوم، ترسل بالمُقابل إشارات عن رغبتها في الانفتاح على هذا البلد، ويُفسِّر خُبراء ومُحلِّلون هذا الوضعية بالبراغماتية التي تحكم سياسة الولايات المتحدة.

 

انخراطٌ إيجابيٌّ

وحتى بعد سُقُوط النظام السابق لا يُمكن وصف العلاقات الأمريكية تجاه السودان بأنّها تسير على خطٍ بياني ثابتٍ، بل تتأثّر صُعُوداً وهُبُوطاً بحسب العَديد من تَداعيات القضايا، ولعلّ أبرزها إعلان المبعوث الأمريكي دونالد بوث بلسان وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير عمر دهب مُؤخّراً عن تخلي أمريكا عن سياستها الماضية الخاصّة بدبلوماسية العصا والجزرة والتلويح بعقوبات وحوافز، وأنها ستنتهج سياسة الانخراط الإيجابي مع الحكومة في الفترة المقبلة، كما كشف عن تقديم مُقترحات تتعلّق بالتحوُّل الديمقراطي وتكوين حكومة انتقالية عاجلةٍ وإجراء الانتخابات نهاية الفترة الانتقالية.

 

تلويحٌ بالعُقُوبات

إلا أنّ مسؤولة بوزارة الخارجية الأمريكية، قالت إنّ إدارتها تدرس كل الخيارات بما فيها إمكانية فَرض مَزيدٍ من العُقُوبات بالسودان في حَال زَادَ العُنـف.

وقالت نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق أفريقيا والسودان ماكيلا جيمس خلال جلسة بمجلس النُّوّاب “ندرس كل الخيارات اذا تكرّر العُنف”، مُوضِّحةً أنّ العقوبات ربما تشمل التأشيرات أو مزيداً من العقوبات الاقتصادية، وقال جيمس “نريد استخدام الأداة المناسبة ونريد استهداف الأشخاص المطلوب استهدافهم”، وقالت إن أفضل نتيجة التّوصُّل الى اتفاق بين المجلس العسكري والمعارضة متمثلة في قِوى الحُرية والتُغيير.

 

مساعي الداخل والخارج

ومنذ إعادة تعيين المبعوث الأمريكي السابق للسودان دونالد بوث، مجدداً في يونيو الجاري، بدأت تحركات ماكوكية مُستهلاً لمساعيه بالداخل من خلال لقاءات جمعته بالمجلس العسكري وقِوى التّغيير قَبل أن يَحط رحاله أمس بالقاهرة لبحث آخر التطوُّرات على الساحة السودانية، ومن المقرر أن يلتقي بوث خلال زيارته عدداً من كبار المسؤولين المصريين، إلى جانب لقاءٍ عددٍ من الشخصيات السُّودانية المُقيمة في مصر.. وكان الفريق ركن ياسر العطا عضو المجلس العسكري الانتقالي، أشار إلى أنّ المجلس أبلغ المبعوث الأمريكي رفضه سيطرة “قِوى الحُرية والتّغيير” على المجلس التشريعي، وأنه لا يمانع بأيِّ مُناصفةٍ في المجلس السيادي، مُضيفاً أنّ المبعوث الأمريكي طلب عدم إجراء انتخابات خلال عام لضمان حُدُوث انتقال ديمقراطي في البلاد، إلا أن قِوى الحُرية والتّغيير كشفت عبر  الأمين العام لحزب “المؤتمر السوداني” وعضو “قوى الحرية والتغيير” خالد عمر، أنّهم اجتمعوا مع سُفراء واشنطن وبريطانيا والنرويج لبحث تطوُّرات الأزمة، قائلاً “إنّ موقف الدول الغربية مُتقدِّمٌ وداعمٌ لمطالب الشعب السوداني”.

 

أرضية مُلائمة

وَيَرَى مُراقبون أنّ تغيير النظام السوداني السابق ربما يُمهِّد لإعادة بناء العلاقات مع واشنطن، في ضوء شُرُوطٍ تاريخيةٍ وأوضاعٍ جديدةٍ، فالعقوبات مُرتبطة بالنظام السَّابق، مِمّا يَعني سُقُوطها بسُقُوطه، ولَعَلّ ذلك يفتح المجال أمام إعادة تأسيس العلاقات وفق اعتباراتٍ مُختلفةٍ، أساسها التّعاوُن وتبادُل المصالح، وقالوا إن اكتمال انتقال السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية انتقالية سيُوفِّر أرضية ملائمة لشطب اسم السودان من القائمة الأمريكية.

 

وتوقع المُحلِّل السِّياسي والسفير الطريفي كرمنو لـ(الصيحة)، حُدُوث تغيير كبير في سياسة السودان الخارجية والانفتاح على الدول الخارجية دون شروطٍ، خاصة وأنّ هنالك جدية ملموسة من لهجة الولايات المتحدة، وقال إنّ الحديث عن فرض مَزيدٍ من العُقُوبات يتوقّف على زيادة حالة العُنف بالداخل وهو الشئ الذي نستبعد حدوثه مُجَدّداً.

 

قفزة إلى الأمام

وكانت واشنطن أعلنت في 14 نوفمبر الماضي، أنّها بدأت المرحلة الثانية من الحوار مع الخرطوم، بهدف تحسين تعاونها وتيسير الإصلاحات الهادفة في السودان مُتضمِّنةً ستة مسارات، هي: توسيع التعاوُن في مُكافحة الإرهاب، تعزيز حماية حُقُوق الإنسان ومُمارساتها، تحسين وصول المُساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان.. وعبّر كرمنو بأن الحوار ربما تم تجميده بشأن الأوضاع بالداخل في انتظار حكومة انتقالية، وتصريح واشنطن برفع سياستها العصا والجَزَرة التي ظلّت تُوجِّهها نحو السودان يعد مؤشراً إيجابياً وقفزة إلى الأمام.

 

لهجة إيجابية

من جانبه، بارك المحلل السِّياسي بروفيسور عبده مختار، خطوة واشنطن برفعها لسياسة العصا والجَزرة التي ظلّت تُمارسها لـ30 عاماً عُمر الإنقاذ، وقال “إن هنالك تلييناً للهجة الأمريكة”، وإن هنالك تطورات إيجابية في مسار العلاقة يمكن أن يُكتب لها الاستمرار في حال استقرار البلاد وتكوين حكومة انتقالية، وفسّر مختار أن اهتمام أمريكا مؤخراً بالسودان يأتي من عنايتها بمصالحها، وعبّر مختار عن رفضه لتدخُّل واشنطن بالتلميح بفرض عقوبات، وقال: لا نحبذ التدخل الأجنبي بأيِّ شكلٍ من أشكاله رغم أن ثقافتنا طلب مشورة ونصح الأجنبي وضرب بالمثل القائل: (زمار الحي لا يطرب)، ولتجنب ذلك، طالب الأطراف بالداخل للإسراع في إيجاد الحُلُول.

 

تقرير : نجدة بشارة

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى