المشهد الأول ..!!

:: بالأمس، و في أول ظهور له منذ الإطاحة به، أقتادت الشرطة الرئيس المخلوع من محبسه، وهو بكامل أناقته، إلى نيابة مكافحة الفساد .. فالمشهد كان احتفالياُ، أي أشبه بمراسم استقبال و وداع سيادته عندما كان رئيساُ يصول ويجول في البلاد حاملاُ عصاه ومتوسطاً حاشيته .. وقبل هذه الإطلالة الزاهية بيوم، كان النائب العام قد ذكر بان الرئيس المخلوع سوف يمثل أمام المحكمة بتهم حيازة النقد الأجنبي وغيرها من تهم الفساد المالي .. !!

:: وعليه، إن كان ذاك المشهد الإحتفالي الأول للرئيس المخلوع (مستفزاُ)، كما وصف البعض، فان الاستفزاز – في أوضح معانيه – هو أن تقدم السلطات العدلية في بلادنا قضايا الأموال على قضايا الأرواح، وأن يُظهر المسؤول الأول عن مئات الكوارث وكأنه مجرد (تاجر عُملة) .. هذا محزن للغاية و صادم .. قائمة القضايا التي يجب أن يواجهها الرئيس المخلوع وكل رموز النظام، وحتى صغار النظام، مختل لحد الاستفزاز .. !!

:: وجرائم قتل الأنفس بغير حق كان يجب أن تكون مقدمة على جرائم المال العام، هذا ما لم يكن كل شئ يُصنع في بلادنا كما يشاء الحاكم والجلاد العدل وليس منطق الأشياء .. لهم الرحمة بإذن الله، كل ضحايا الانقاذ .. وليس فقط شهداء الثورة ، بل كل شهداء النظام المخلوع، طوال الثلاثة عقود، يجب أن يكونوا في خاطر الناس والإعلام حين تتحدث السلطات عن العدالة والمحاسبة، وذلك حتى لا تصبح العدالة (إنتقائية)، بحيث تحاكمهم على حيازة النقد الأجنبي وتتجاهل أمر آلاف الشهداء و دموع أسرهم ..!!

:: فالرئيس المخلوع لم يكن رئيس شركة تجارية بحيث يكون أول ظهوره مع (تجار العملة) .. والسلطات العدلية تعلم أن الإنقلاب على الحكومات المنتخبة – كالذي حدث في ليلة 30 يونيو 1989 – جريمة تستدعي المساءلة والتحقيق مع قادتها ثم المحاسبة حتى لا تتكرر.. نعم، الإنقلابات هي ( أم الجرائم) التي تبدأ بها محاكم ما بعد الثورات في تصحيح الأوضاع .. كيف ولماذا غفلت السلطات العدلية هذه البداية المهمة؟ .. ثم هناك ضحايا دارفور وكجبار و بورتسودان و ضحايا رمضان و (قبورهم المخفية) .. و.. و.. بكل ولاية رهط من الضحايا.. وسواسية أسرهم أمام أبواب العدالة بحثاُ عن حق القصاص ..!!

:: و في الخاطر مأساة سبتمبر، حيث كان الحدث (هناك عربات بدون لوحات كانت تضرب في الذخيرة)، أو كما قال الفريق أحمد إمام التهامي، رئيس لجنة التحقيق في تلك المأساة.. وقد تم تدوين البلاغ، ولا تزال الأسر تبكي دماً ودموعاً بحثاُ عن القتلة.. واليوم، فالناس ليسوا بحاجة لمعرفة إن كانت العربات التي استهدفت الثوار بلوحات أو بدونها، بل بحاجة لمعرفة من كانوا على ظهورها، ومن أمرهم باطلاق الرصاص .. أو هكذا يجب أن تكون بدايات العدالة، لتطمئن قلوب الناس على نجاح ثورتهم، وحتى لا تذهب بهم الظنون بأن ذاك مشهد أول من ( مسرحية العدالة )..!!

Exit mobile version