تحقيقات وتقارير

فض الاعتصام … من كســب النقــــاط

قراءتي لعملية فض الاعتصام أنها تمت بموجب خطتين (أ) و(ب).. تم تنفيذهما في وقت واحد- الخطة (أ) هي التي كانت بعلم المجلس العسكري ومباركته وكانت تطالب بفض الاعتصام دون استعمال القوة المفرطة، ودون إراقة دماء بعيداً كل البعد عن استخدام ذخيرة حية، وما يؤكد ذلك التصريح الواضح الشجاع من الفريق شمس الدين الكباشي عندما قال: إن هناك خطأ لازم التنفيذ ما يعني أن المجلس العسكري أعطى الضوء الأخضر بالتنفيذ السلمي دون إراقة دماء، وما يزيد التأكيد على نوايا المجلس تلك، سرعة اتخاذ قرارات حقيقية بإحالة عدد مقدر من منسوبي جهاز الأمن- شملت رتباً عالية- إلى المعاش، مع تكوين لجنة تحقيق بعد أن تأكد لديه أن عدداً من منسوبي القوات النظامية استخدم ذخيرة حية أدت إلى مقتل مئات الشهداء، مؤكداً تقديم كل مَن يثبت أنه شارك في المجزرة إلى المحاكمات العاجلة، وبذلك إلى حين التقديم الفعلي للمحاكمة لكل من تثبت مشاركته في مقتل الشهداء الأبرياء العزل يكون المجلس قد قام بكل ما يمكن عمله ويكون بريئاً من الخطة (ب).

 

الخطة (ب) هي الجريمة الحقيقية التي تم التخطيط لها وتنفيذها جنباً إلى جنب مع الخطة (أ)، وقطعاً المجلس العسكري لم يكن على علم بها.

في تقديري أن من خطط ونفذ الخطة (ب) إما أن يكون على قدرٍ عالٍ من الذكاء والمكر والدهاء، أو يكون على درجة عالية من الغباء والحقد وقصر النظر.. قدر عالي من الذكاء والمكر والدهاء لأنها أضعفت موقف المجلس العسكري، وأربكت الساحة بدرجة تخلق مناخاً ملائماً لانقلاب عسكري جديد لصالح قوى لا تريد المجلس العسكري الحالي، خاصة بعد انحيازه إلى محور السعودية، الإمارات ومصر، ولا تريد الثوار بتوجهاتهم وشعاراتهم القوية تحت راية حرية سلام وعدالة.. أما فرضية قدر عال من الغباء وقصر النظر، لأن ما تم تنفيذه من مجزرة زادت من قوة الشباب الثوري الذي قاد التغيير، وأدت إلى أمرين الأول نجاح العصيان المدني في أيامه الثلاثة، والذي عم كل المدن السودانية، وأوقف الحياة الاجتماعية والعملية والرسمية.. والأمر الثاني أدت المجزرة إلى وقوف كل العالم مع الثوار وتوالت البيانات الساخنة من معظم دول ومنظمات العالم في إدانات شديدة اللهجة لما حدث، حتى مجلس الأمن الدولي أصدر بياناً بالإجماع يوم الثلاثاء 11 يونيو مطالباً بحماية الثوار العزّل وعدم استعمال القوة المفرطة والقتل.
أدت المجزرة إلى تدخل افريقي قوي وزيارة عاجلة لرئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد إلى السودان الأسبوع الماضي، والذي أبدى تعاطفاً واضحاً مع الثوار مطالباً في إشارة مهمة إلى أن يحل السودانيون مشكلتهم دون تدخل طرف ثالث- وواضح ما هو الطرف الثالث الذي قصده، خاصة عندما أشار إلى أن السودان دولة أفريقية مؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية- (الاتحاد الأفريقي حالياً)- وأن الحل يجب أن يكون افريقياً، وحضر أبي أحمد بوصفه الرئيس الحالي لمنظمة الإيقاد.

وما يؤكد وصف من خطط ونفذ الخطة (ب)- التي أدت إلى مجزرة سوف يتحدث العالم عنها طويلاً- بقصر النظر والحقد الذي قاد إلى إضعاف المجلس العسكري الانتقالي وقبوله بالوساطة الأثيوبية، والتي توصلت مع الطرفين- المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير- إلى إعادة التفاوض من النقطة التي توقفت فيها المفاوضات دون الرجوع خطوة واحدة إلى الوراء، تحديداً تأكيد حق قوى الحرية والتغيير في تكوين مجلس الوزراء وحصولهم على 67 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي، وتكوين مجلس سيادي مختلط بين العسكريين والمدنيين، وفترة انتقالية 3 سنوات، علماً بأن المجلس العسكري أصدر بياناً أعلن فيه التراجع عن كل هذه الاتفاقات.

الآن وبعد أن استعادت قوى الحرية والتغيير التوازن والقوة وكسب المجتمع الدولي، عليهم أولاً الإعتراف بأن التأخير والتلكؤ في تكوين مجلس الوزراء لأكثر من شهرين من إسقاط النظام السابق أضر كثيراً بالثورة، وأدى إلى مزيد من الشهداء، وعليهم أن يدركوا أن المجلس السيادي بعد تحديد اختصاصاته يجب ألاَّ يكون نقطة خلاف تتواصل وتُعقد الأمور أكثر، وعليهم أيضاً أن يدركوا أن الوجود العسكري في المجلس السيادي صار أكثر إلحاحاً في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية في البلاد، وتنامي التآمر على الثورة وعليهم أن يدركوا أيضاً أن الإتفاق الأخير الذي تم وأعلنه مندوب أبي أحمد سيكون له آثار صادمة لكل من يتربص بالثورة، محاولاً بشتى الوسائل إجهاض كل العملية الثورية التي قادت إلى سقوط النظام السابق.. عليهم الثقة فيما تبقى من أعضاء المجلس العسكري، لأنه بعد ما حدث من مجزرة فض الإعتصام أعاد الطرفين إلى خندق واحد، هو خندق الوطن والتحول المدني للسلطة بعد فترة انتقالية أتفق عليها بثلاث سنوات.

ما زالت المخاطر تحيط بالثورة والتحول الديمقراطي المدني من عدة جهات اقليمية وداخلية، أي تأخير إضافي في تكوين مؤسسات الحكم الإنتقالي سيكون خصماً على قوى الحرية والتغيير، وإضافة إلى قوى المتربصين بالثورة الظافرة بإذن الله.. وعليهم أيضاً تقدير الدور المتعاظم للقوات المسلحة في تحقيق تغيير وإسقاط نظام الإنقاذ بكل عمقه في المؤسسات العسكرية والمدنية، وعليهم أيضاً إدراك المخاطر الجسيمة التي كان يمكن أن يتعرض لها قادة المجلس العسكري لو فشلت عملية الإنقلاب.
المعادلة المنطقية العادلة تتمثل في فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، فيها مجلس وزراء مدني، يتم اختياره بواسطة قوى الحرية والتغيير بصلاحيات واسعة محصنة ضد أي تدخل من أية جهة، ومجلس عسكري كامل في قمة الدولة كمجلس سيادي بصلاحيات محدودة لا تتعدى الشؤون السيادية المعروفة، إضافة إلى كل ما يخص الشأن العسكري والأمني.

تقرير:عمر البكري أبو حراز

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى