في مقال لها بموقع “أوريان 21” الفرنسي كاتبه .. حميدتي فرانكشتاين في الخرطوم
وفي مقال لها بموقع “أوريان 21” الفرنسي، قالت مجذوب إن هذا الجنرال -الذي قال إن صبره في السياسة “له حدود”- هو قائد مليشيات “قوات الدعم السريع” ولا ينتمي للجيش النظامي المؤسسي، لكنه بعد أيام من إقالة الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير في 11 أبريل/نيسان 2019 أصبح نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، حيث فرض نفسه بالقوة كما يرى السودانيون الذين اشتهر لدى أغلبهم كقاطع طريق ومجرم حرب.
وقالت الباحثة المختصة في شؤون السودان إن حميدتي بمليشياته أصبح “الواجهة” الرئيسية لانفتاح نظام البشير على العالم بشأن إدارة قضية الهجرة ومراقبة الحدود، جنبا إلى جنب مع الرئيس الحالي للمجلس العسكري الجنرال عبد الفتاح البرهان الذي روج لمشاركة كتيبة سودانية في التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية منذ عام 2015.
ورأت الباحثة أن حميدتي اكتسب شكلا ما من أشكال الشرعية الدولية، وعزز شخصيته كـ”رجل اللحظة” بعد سقوط البشير، من خلال مقابلاته أمام الكاميرات مع ممثل الاتحاد الأوروبي وسفراء كل من فرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وممثلين عن الدبلوماسية الأميركية، إضافة إلى لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء زيارة للمملكة.
الصعود إلى القمة
لكن حميدتي -الذي هيأ نفسه تدريجيا منذ عام 2010 ليكون بديلا لرجل دارفور القوي موسى هلال- استطاع أن يخلف زعيم الجنجويد السابق قائد حرس الحدود مستشار الرئيس عمر البشير في أعقاب تطهير داخلي بعد أن ألقى عليه القبض عام 2017.
وبذلك أصبح حميدتي المسؤول الجديد عن قوات الدعم السريع (الجنجويد) التي تم الاعتراف بها كقوة وطنية غير واضحة المعالم منذ 2013 تحت رعاية جهاز المخابرات والأمن الوطني، حسب الباحثة.
وأصبحت هذه المليشيا القوة الأولى في البلاد، وتجاوزت صلاحياتها صلاحيات الجيش، خاصة بعد صدور القانون المتسرع والمثير للجدل -وفق تعبير الباحثة- الذي حول هذه القوات إلى كيان شبه مستقل تابع للرئيس مباشرة ويرتبط بالجيش النظامي ويتمتع بميزانية كبيرة.
كما أصبح هذا الجنرال قطب شركة تعمل في مناجم الذهب بجبل عامر في شمال دارفور، مما سمح له بتطوير قواته التي قال عنها في مقابلة عام 2016 “لقد توليت أنا وقواتي جميع الأدوار، أدوار الشرطة والجيش والإدارة المحلية أيضا، لقد فعلنا الكثير، من الأمن إلى الإصلاح إلى التنمية”.
وجه الفترة الانتقالية
ورأت الباحثة أن حميدتي -الذي يقود قوة موازية للجيش النظامي- أصبح هو شخصية الفترة الانتقالية عندما تم خلع البشير، خاصة أن قواته موجودة بشكل كثيف في ضواحي الخرطوم وحول منطقة الاعتصام.
وقد شكلت إزالة المتاريس -التي وضعها المعتصمون حول ساحة الاعتصام والتي ترمز لاحتلالهم الفضاء العام- هاجسا وأولوية بالنسبة لحميدتي كما قالت الباحثة، حتى أن قواته قامت بعدة محاولات لإزالتها كمقدمة لإخضاع الخرطوم وتحييد ومهاجمة المعارضين المعتصمين.
وفي محاولة للتملص من المسؤولية -حسب تعبير الباحثة- زعم الجنرال على شاشات التلفزيون أنه ألقى القبض على المسؤولين عن عمليات القتل الذين “تنكروا” في زي قواته، إلا أنه لم تكن هناك لجنة رسمية للتحقيق في الأمر، في حين تقوم قوات الدعم السريع بدوريات في مناطق عدة من المدينة.
وقالت الباحثة إن حالة الخوف والشائعات هي المسيطرة، وهي ما يسميها بعض المحتجين الآن “إعادة حميدتي احتلال الخرطوم”، وهو أسلوب الحكم من خلال الإرهاب المعروف في هوامش البلاد والذي انتشر شيئا فشيئا حتى وصل إلى العاصمة.
وخلصت الباحثة إلى أن حميدتي ليست لديه قاعدة سياسية، ناهيك عن وجود قاعدة مدنية لكنه يحاول التعويض بمشروع “الهبوط الناعم”، وهو الحصول على إجماع لضمان الحصول على دعم الأحزاب التاريخية المعارضة وبعض الحركات المسلحة، وهو الحل الذي تفضله العديد من القوى الدولية والإقليمية.
ومع أن حميدتي ليس لديه أقوى جيش في الخرطوم ولا يمكنه حكم العاصمة بالقوة كما حكم هوامش البلاد فإنه أكثر تهورا ورعونة من أي قائد آخر، ويمكنه أن يتجاوز القادة العسكريين وغيرهم من قادة الأجهزة الأمنية ليجعل من السودان دولة أمنية بامتياز، في ظل الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات الرجل الغامض صلاح غوش الذي يمكن أن يتم قبوله شريكا خلال السنوات الثلاث المقبلة في انتظار الانتخابات وإن كان لا يزال موضع خلاف.