الطيب مصطفى

بين الغيبوبة وروح القطيع!

> كذبوا فقالوا إن من بادر واختطف الهبة الجماهيرية التي اشتعلت في القضارف والدمازين وعطبرة احتجاجا على الضائقة الاقتصادية الطاحنة وحولها الى حراك سياسي هو الجدير بان يرث النظام السابق وبان يستلم منه السلطة ويعتمد ممثلا للشعب السوداني وللثورة السودانية بل وان يمنح تفويضا بان يقصي من يبغض او من لا يروق له من القوى والاحزاب السياسية والحركات المسلحة.
> فليقولوا لي اين حدث ذلك في الممارسات السياسية السابقة سواء في السودان او خارجه؟!

> من يبادر ويفعل ما فعله تجمع المهنيين السودانيين وهو يقود الحراك لا تمنح عضويته صوتين في الانتخابات ولا يحظى بمعاملة تفضيلية إنما يسجل دوره وقيادته لذلك الفعل السياسي ويحمد عليه في سجلات واضابير التاريخ لا اكثر .

> لكن ما حدث في السودان من اعتماد قوى الحرية والتغيير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوداني توطأ له الاكناف ويجلس معه المجلس العسكري آناء الليل واطراف النهار دون غيره من قوى واحزاب وحركات وتحالفات وكيانات السودان لهو امر غريب وعجيب بحق ، على ان الاعجب منه ليس انسياق المعتصمين خلف تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير انما التبعية العمياء لكثير من النخب والكتاب لذلك التحالف رغم اخطائه الكارثية وسلوكه الاقصائي الدكتاتوري الذي يوشك ان يقود السودان الى حريق كبير لا يبقي ولا يذر .

> إنها حالة غريبة عبر عنها المفكر الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه :(سايكولوجية الجماهير) حيث خلص الى انه (في زمن الثورات إياك ان تقدم النصح للجماهير .. اياك ان تدخل معهم في جدل منطقي واياك ان تطلب منهم التعقل او الوعي) ثم قال 🙁 إن من اهم خصائص الجماهير هو انطماس شخصية الفرد وانخراطه في شخصية الجمهور والذي يترتب عليه تخليه عن عقله الواعي ومنطقيته حتى يتماشى معهم إذ إنه ليس من السهولة السباحة عكس التيار)!

> ومضى لوبون الى القول إن طغيان العاطفة والحماسة على مشاعر الفرد تجعله (في حالة تلقي للافكار لا انتاجها ولذلك تنتشر فيه الاشاعات غير المنطقية وتتعالى ظاهرة التحريض التي تصبح مرضا معديا يسري كالنار في الهشيم)!

> ذلك ما حدث في الثورات جميعا سواء الفرنسية التي عبر عنها شارلس ديكنز في كتابه (قصة مدينتين) A tale of two cities او في ثوراتنا السودانية خاصة الحالة الثورية الحالية.
> كان اكثر ما استثارني في سرد لوبون استشهاده بنابليون بونابرت الذي ظلت الجماهير الفرنسية تصفق له حتى وهو يلغي الحريات ويحكم بيد من حديد رغم انه جاء بعد ثورة قدمت الكثير من التضحيات الا انها قبلت من نابليون أن يحكمها بذات اساليب القهر والطغيان الذي مارسه لويس السادس عشر !

> بالله عليكم قارنوا بين قهر النظام السابق وبين ما تمارسه علينا قوى الحرية والتغيير من اقصاء وظلم وعزل وطغيان وخروج على القانون من جهة وبين الثورة الفرنسية التي عبر عنها لوبون بملاحظات ذكية تلخص طبعا انسانيا عابرا للقارات لا يختلف من شعب الى شعب ومن جيل الى جيل.. انه طبع القطيع الذي يحط من قدر الانسان الذي اراده خالقه حرا في تفكيره لا سائمة تساق حتى من قبل طفل صغير لا يدري ما يفعل!

> عجيب وغريب بحق ان يسلم معظم كتابنا ان من حق تجمع المهنيين او قوى الحرية والتغيير ان تحصل على كل السلطة التشريعية على مدى ثلاث او اربع سنوات (انتقالية!) وذلك حين سلموا كالصم البكم العمي ان من حقها ان تمنح اكثر من ثلثي البرلمان وان تجيز توزيع حتى النسبة المتبقية التي تقل عن ثلث البرلمان على من ترضى عنهم من (الاتباع) بحيث تمارس سلطة مطلقة على السلطة التنفيذية بل والسيادية التي اصرت قوى الحرية والتغيير وشريكها الشيوعي الذي بات في غفلة من الزمان والتاريخ يتحكم في مصير كل السودان ..اصرت ان يكون تحت سطوتها رغم سلطاته المحدودة!

> ليس ذلك فحسب فقد سكت معظم الكتاب كما سكتت الصحافة ولا اقول المعتصمين الذين انطبق عليهم كلام لوبون بصورة اكثر تعبيرا من الحالة الفرنسية سيما وان معظمهم شباب لا يعلمون حقيقة ما يحدث وربما لم يطلع كثيرون منهم على صحيفة واحدة على مدى الاشهر الاربعة الاخيرة ..سكتوا عن جريمة اغلاق الشوارع والكباري ويا لها من جريمة!

> نعم ، إن اكثر ما استثارني الصمت المطبق الذي يعيش بين جدره المعتمة كبار الصحافيين وهم كالمخدرين امام اغلاق الشوارع والكباري والسكة حديد بل وهم يرون الشباب والصبية يطاردون الرجال والنساء في الشوارع بل وفي بيوتهم ويهدمون اسوار جامعة الخرطوم لكي يصنعوا منها المتاريس ويستأجرون الشاحنات لتأتي بالصخور والحجارة من خارج العاصمة لتلقى اثقالها وتكبها في شوارع الخرطوم الرئيسية ويقتلعون الانترلوك ويعطلون حياة الناس والناس جميعا في ذهول وكأن على رؤوسهم الطير !

> بربكم ايهما اجدر بثقة القوى والاحزاب والحركات المسلحة خارج منظومة قوى الحرية والتغيير ، المجلس العسكري ام قوى الحرية والتغيير التي مارست عليهم القهر والاقصاء الأن فكيف بالمستقبل بما فيه الانتخابات التي سيضعون قانونها ويختارون مفوضياتها؟!

> لذلك فانني والله لن اتردد في ان اعلنها انني اضع ثقتي في المجلس العسكري باكثر مما اضعها في قوى التغيير التى لا اراها تضمر لنا جميعا غير الشر الوبيل.
> إن على جميع من هم خارج منظومة الحرية والتغيير ان ينظموا انفسهم لمواجهة ايام كالحات اخشى ان يتسيدها الحزب الشيوعي بكل حقده وسخائمه فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى