تحقيقات وتقارير

(العسكري) و(التغيير).. نقطة الصفر

أصوات الطبول والهتافات لم تعرف التوقف حتى مع حلول أذان المغرب حيث الإفطار، تحول محيط الاعتصام لخلية من النحل لا تعرف الهدوء الأغاني الوطنية تخرج من السماعات المنصوبة بوسط ساحة الاعتصام يأتيك صوت الراحل محمد وردي وهو يردد (وطنا البي اسمك كتبنا و رطنا) الكل ينتظر لحظة ميلاد مولود طال انتظاره وهو الدولة المدنية وازدادت الأشواق شوقاً بعد تداول الأسافير لخطاب مذيل بتوقيع مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون يحمل توجيهاً بنقل فعاليات الاحتفال بالتوقيع النهائي بين العسكري والحرية والتغيير.

رياح عكسية

بيد أن الرياح جاءت عكس ما تشتهي السفن وعلى نحو مفاجئ تعطلت عجلة التفاهمات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وذلك في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء دون الوصول لاتفاق نهائي.

لماذا الخلاف؟

استؤنفت المفاوضات بين الطرفين عقب تعليقها من المجلس العسكري الانتقالي لمدة 72 ساعة وعقب العودة لطاولة التفاهمات اتفق الطرفان على ثبيت الاتفاق السابق الذي نص على منح قوى الحرية والتغيير الانفراد بالجهاز التنفيذي و67٪ من مقاعد البرلمان، فضلاً عن مشاركتهم في المجلس السيادي وفترة انتقالية مدتها ثلاثة أعوام في الجلسة الثانية للتفاوض بدأت الخلافات تعصف بالجهود السابقة وانحصر الخلاف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير انحصر حول المجلس السيادي وصلاحياته وتقاسم النسب بين الطرفين.

مقترحات متبادلة

الخلاف حول المجلس السيادي انصب في عدة زوايا الأولى حول عدد الأعضاء وتقسيمهم، والثانية حول رئاسة المجلس حيث طرحت قوى الحرية والتغيير أغلبية ورئاسة مدنية لصالحها بالمقابل طرح المجلس العسكري الانتقالي أغلبية ورئاسة للعسكري لصالحه لم يتم الاتفاق حول المقترح ثم لجأت قوى الحرية والتغيير لخيار آخر وهو أغلبية مدنية ورئاسة دورية كل ستة شهور تؤول لجهة، حيث رفض العسكري هذا الخيار وتمسك بأغلبية ورئاسته للمجلس السيادي وطرح أن يكون المجلس السيادي مكوناً من 10 أشخاص 7 عسكريين و3 مدنيين وشدد العسكري الانتقالي على تمسكه بهذا المقترح.

بيانات وتوضيحات

عقب انفضاض سامر جلسة المفاوضات بين الطرفين أعلن المجلس العسكري الانتقالي في بيان مقتضب عن أن نسب التمثيل في المجلس السيادي ساهمت في عدم توقيع الاتفاق مع الوعد بالسعي لبذل مزيد من الجهود لتجاوز العقبة، ولم يفصح العسكري عن أي تفاصيل أخرى بينما قال القيادي بقوى الحرية والتغيير المهندس صديق يوسف في تصريحات صحافية إنهم متمسكون بأغلبية مدنية ورئاسة دورية وصلاحيات شرفيه للمجلس السيادي وإنهم طرحوا خيار وجود 6 مدنيين مقابل 5عسكريين كأدنى حد للتنازل شريطة أن تكون الرئاسة دورية.
الخلاف بين الطرفين حول نسب التمثيل ورئاسة السيادي أدى لعدم احراز تقدم في التفاوض بين الطرفين وعلق مصير التفاوض في المرحلة القادمة.
صلاحيات السيادي
ثمة نقطة أخرى أيضاً شكلت محور خلاف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وهي صلاحيات المجلس السيادي وتحصلت «الانتباهة» على صلاحيات المجلس السيادي المطروحة للتفاوض وهي أيضاً محل تنازع بين الطرفين وتنص الصلاحيات بحسب مصدر تحدث لـ»الانتباهة» أن يكون رئيس المجلس السيادي هو رأس الدولة ورمز وحدتها والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن يقوم رئيس المجلس السيادي باعتماد تعيين رئيس القضاء بعد اختياره بواسطة مجلس القضاء الأعلى واعتماد سفراء السودان في الخارج وقبول اعتماد السفراء الأجانب لدى السودان وأن تكون صلاحيات إعلان الحرب بيده بعد توصية من مجلس الوزراء عطفاً على التصديق على القوانين الصادرة من الهيئة التشريعية و التصديق على الأحكام النهائية الصادرة بالإعدام من السلطة القضائية وتعيين حكام الأقاليم بالتشاور مع مجلس الوزراء على أن يؤدي رئيس مجلس الوزراء والوزراء القسم أمام مجلس السيادة بالإضافة لتمثيل السودان دولياً على مستوى القمم وأن يكون أمر إعلان حالة الطوارئ بالتنسيق بين السيادي و مجلس الوزراء.

نقاط الاتفاق

جولة المفاوضات التي استمرت يومين واحتضنها القصر الجمهوري بالخرطوم أكدت على التزام الطرفين بالاتفاق السابق القاضي بمنح قوى الحرية والتغيير صلاحيات الانفراد بالجهاز التنفيذي و67٪ من عضوية المجلس التشريعي القومي عطفاً على منحه نسبة تمثيل في المجلس السيادي لم يتم الاتفاق عليها بعد.

حسرة وخيبة أمل

وعقب انتهاء جولة التفاوض بين الطرفين وعدم التوصل لنتائج ايجابية أصيب الشارع السوداني خاصة المتواجدين بمحيط القيادة العامة بموجة من خيبة الأمل والحسرة خاصة و أن الاعناق كان تشرئب لاتفاق عاجل ينهي حالة الاعتصام التي استمرت أكثر من شهر عطفاً على ذلك سرت أنباء بمسرح الاعتصام باتفاق وشيك بين الطرفين سيعلن عشية الثلاثاء يقضي بنقل السلطة للمدنيين وبدأت عدد من الواجهات بمسرح الاعتصام تهيئ نفسها للاحتفال بنقل السلطة للمدنيين بيد أن عدم توصل الطرفين لنتائج ايجابية أصاب المعتصمين بخيبة أمل وأرجأت بقاءهم بساحة الاعتصام إلى حين إشعار آخر، في الصعيد ذاته بدأ عدد من المعتصمين ينادون بأهمية الضغط على المجلس العسكري الانتقالي من خلال استمرار المظاهرات بالأحياء وإغلاق الطرق بالمتاريس ورصدت «الانتباهة» بعض شباب الاعتصام وهو ينادون بالعودة لمربع التصعيد كوسيلة للضغط على المجلس العسكري الانتقالي وإجباره على تسليم السلطة.

عصيان مدني

عقب انتهاء جلسة التفاوض بين الطرفين في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء أعلن المجلس العسكري الانتقالي عن فشلهم في التوصل لاتفاق مع الحرية والتغيير بسبب الخلاف حول المجلس السيادي وقال بيان صادر من المجلس العسكري الانتقالي تلقته «الانتباهة» إنهم عازمون على تحقيق اتفاق مرضٍ للطرفين، في السياق ذاته أعلن تجمع المهنيين السودانيين الفصيل الأبرز بقوى الحرية والتغيير عن عدم توصلهم لاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي من ثم أعلن التجمع عن شروعهم في الدخول في إضراب سياسي عام و من ثم إعلان العصيان المدني الشامل وأشار التجمع في بيان تحصلت عليه «الانتباهة» أن العصيان القادم وسيلة ضغط من أجل تحقيق مطالب الثورة ونقل السلطة للمدنيين ورفض التجمع ما أسماه عسكرة المجلس السيادي وطالب التجمع بأن يكون دور القوات المسلحة مقصوراً في الأمن والدفاع، وأعلن التجمع عن مواكب تستقبلها ساحة الاعتصام مساء الثلاثاء، في الصعيد ذاته شدد الحزب الشيوعي على عدم القبول باي تمثيل عسكري أو رئاسة عسكرية للمجلس السيادي وقال الشيوعي الذي يعد من أبرز ركائز الحرية والتغيير في تعميم صحافي أن موقفهم من الحكم العسكري موقف مبدئي غير قابل للتفاوض ويرفضون أي تواجد للعسكري في السيادي أو أن يكون تمثيلهم في السيادي رمزياً.

خيارات العسكري

المجلس العسكري الانتقالي رغم تأكيده على أنه عازم على التوصل لاتفاق مع الحرية والتغيير، إلا أنه يملك عدة خيارات للتعامل مع الحرية والتغيير في المرحلة القادمة أبرزها قيام انتخابات مبكرة بعد ستة شهور من الوقت الحالي حيث لوح العسكري أكثر من مرة بإقامة انتخابات مبكرة آخرها قبيل أسبوعين تقريباً ، في الوقت ذاته تشير التسريبات الواردة لـ»الانتباهة» أن المجلس العسكري الانتقالي ربما يعلن عن رغبته في تفويض شعبي مثلما حدث في مصر حينما خرجت الجماهير لتفويض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وفي حال خروج الجماهير لتأييد المجلس العسكري الانتقالي ستعلن حكومة كفاءات مستقلين وهذه الفرضية أكدها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو حميدتي السبت الماضي بأن الحكومة ستكون من الكفاءات والتكنوقراط. في الأثناء بدأ عدد من الناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي والميديا المختلفة الدعوة لمليونية تفويض الحكومة من الكفاءات والمستقلين وبدأت هذه الاصوات في التعالي بعد فشل الطرفين في الوصول لاتفاق ليلة الثلاثاء، في الصدد كانت الحرية والتغيير تتخوف من سيناريو  مصر بحيث تتوقع القوى السياسية أن يطلب المجلس العسكري تفويضاً شعبياً للانفراد بالحكم ويبدو هذا السيناريو هو الأقرب خاصة بعد الاتهامات التي تشير لتمسك العسكري الانتقالي بالسلطة.

الأوضاع بالحرية

ذهبت بعض التحليلات لامكانية حدوث انقسام داخل قوى التغيير بسبب تباين بعض الآراء داخل التحالف حول التفاهمات مع المجلس العسكري الانتقالي وتذهب التحليلات لوجود أحزاب داخل الحرية والتغيير مثل الأمة القومي والمؤتمر السوداني تتقارب مع أطروحات المجلس العسكري الانتقالي فيما يخص تكوين المجلس السيادي وربما تتنصل هذه الأحزاب من ميثاق الحرية والتغيير، بيد أن الأمين العام للمؤتمر السوداني المهندس خالد عمر يوسف أكد أن تحالف الحرية والتغيير متماسك ولن يتعرض لاي انشقاق وقال يوسف لـ»الانتباهة» إن موقفهم من المجلس السيادي هو تمثيل رمزي للعسكريين به ورئاسة دورية موضحاً أن هذا الموقف تم اتخاذه بتوافق كل أطراف الحرية والتغيير، ولم يرفضه أي فصيل، بالمقابل يرى خبراء أن تعنت الطرفين ربما يدخل البلاد لسيناريوهات مجهولة.

دور الوساطة

يتساءل مراقبون عن عدم وجود وساطة تقرب وجهات النظر بين الطرفين سيما أن الزحف الزمني أصبح يشكل ضغطاً على الطرفين وأن شيئاً من الملل بدأ يتسرب للميدان، لذا يرى البعض أهمية وجود وساطة تضغط الطرفين من أجل تقديم التنازلات ونشطت في الأيام الماضية وساطة كان يقودها رجل المال والأعمال اسامة داؤود ومعه الصحافي محجوب محمد صالح وأساتذة جامعة الخرطوم إلا أن دور الوساطة بدأ متراجعاً وغائباً في الجلسات الأخيرة.

تعليق التفاوض

لم يحدد الطرفان أي مواقيت جديدة لاستئناف التفاوض وتركا باب التفاهمات بينهما موارباً وربما يعود الطرفان لطاولة التفاوض في حال بروز أي وساطة جديدة أو رغبه أي طرف في تقديم تنازلات.

تقرير : عبدالرؤوف طه

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى