تحقيقات وتقارير

الدين و السياسة في السودان.. صراع ينتجه الحمقى

الدولة المدنية الحديثة ذات سيادة حكم القانون باتت تتربع على عرش مشروع السودان الجديد الذي يراهن عليه الشعب السوداني بعد أن خرج ثائراً طالباً للحرية والسلام والعدالة بثورة شهد بسلميتها المجتمع الدولي ولم تشفع لها لدى أجهزة قمع النظام البائد رغم استغاثة الثوار برجال الدين للوقوف إلى جانب الحق إلا أن أشهر رجال الدين رد عليهم قائلاً (المساجد ليست للهتاف) في إشارة واضحة لفصل الدين عن السياسة.

قوى الإعلان

اتفاقية قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، جعلت بعض التيارات الإسلامية تتخذ موقفاً معادياً لها معلنة بذلك أنها سوف تعد الحشود وستدافع بالأنفس عن دولة الشريعة والطائل أمدها لثلاثة عقود سابقات. البعض يرى تلك التيارات تعمل على توظيف الدين في السياسة استغلالاً للوازع الديني لجماهير الشعب وحفاظاً على مصالحها الشخصية، وبعض المنتمين لهذه التيارات يرون أن مشروع السودان الجديد يتجه نحو فصل الدين عن الدولة الأمر الذي سيشكل خطراً على الدين الإسلامي.

الحصة وطن

المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان عوض الله حسن أحمد قال لمصادر إعلامية، إن ما يقوم به عبد الحي يوسف ومحمد الجزولي لا يخدم الإسلام ولا المسلمين، مؤكداً في تسجيل صوتي (أنه سيؤلب علينا كل الدنيا)، واصفاً المسيرة التي سيّرها محمد الجزولي بالهزيلة التي ستفضي إلى شر عظيم باعتبار أن الشعب السوداني كله ضد ما يقوم به هؤلاء الأشخاص.
ويرى مراقب الإخوان أن ما يريده السودانيون حقيقة الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، لجهة أنهم (قتلوا وعذبوا)، مستبعداً في الوقت نفسه أن يتم التسويق مجدداً للشريعة الإسلامية بهذه الطريقة، وأضاف: إلى أن يحدث ما يوحي به البعض باستئصال التيار الإسلامي، مرددا: نحن جميعا لا نتجاوز الخمسمائة شخص، مردفا: فليقوموا بإزالتنا جميعاً ويبقى الإسلام ودعوا الوطن هو ما يبقى أساساً لكل شيء كما تقول المقولة (الحصة وطن)، ودين الله محفوظ و(ربنا لو شالنا بجيب غيرنا).

فشل أيدولوجي

القانونية د.زحل الأمين أوضحت في حديثها لـ(السوداني) أن توظيف الدين في السياسة وبناء الدولة المدنية الحديثة لا يبنى على الأيدولوجيات التي تنجم عن معتقد أو موروث وإنما يبنى بالقوانين الدولية التي تحترم حقوق الإنسان وتكفل كل القيم الإنسانية، مشيرة إلى أن تجربة البناء الأيدولوجي للدولة أثبتت فشلها الذريع والذي بداً جلياً في التجربة الإنقاذية حيث كان التمكين لمفاصل الدولة وفق الخلفية الأيدولوجية في إقصاء تام وواضح للكفاءات وتنصل لقوانين الخدمة المدنية الأمر الذي نتج عنه دولة هشة البناء منهارة الخدمة المدنية.

سوء فهم
الصحفي عبد الماجد عبد الحميد يرى من خلال حديثه لـ(السوداني) أن هناك سوء فهم بين قوى إعلان الحرية والتغيير وبعض التيارات الإسلامية في المسائل المتعلقة بوضع الدين في الدولة المدنية، منوهاً إلى أنه ليس هناك تعارض بين وجهتي نظر الطرفين. ويذهب عبد الماجد إلى أنه يتوجب على قوى الإعلان قيادة حوار مباشر مع تلك التيارات في مواقعها لتفادي الخلاف، مشيراً إلى بعض الجهات التي تعمل على التعبئة بين الطرفين لأغراض أخرى.

مزايدات سياسية

المحلل السياسي ماهر الجوخ أكد في حديثه لـ(السوداني) أن المهدد الحقيقي للدين الإسلامي هو الجماعات التي تتخذ منه شعارات تلصقها بالسياسة معللين أخطاءهم بالدين الذي تم استغلاله من جانبهم في المزايدات السياسية، مشيراً إلى أن الحديث عن الدولة الدينية وتطبيقاتها في السودان لا يحتاج إلى جهة أو شخص أو مجموعة للبيان، وأضاف أن افتراض أن (الدين في خطر) افتراض مزايدة سياسية ليس إلا، لأن الخطر الحقيقي على الدين هو الممارسات الشائهة التي تمت خلال ثلاثة عقود، نافيا أن يكون الخطر من القادم.
ويرى الجوخ أن المجموعات التي ترفع الشعارات وتمارس العويل على الدين باعتبار أنه بات في خطر دائم هي جماعات تسلك المسار الخطأ، لافتا إلى أن المسار الصحيح يكون بتقديم نقد واضح وصريح وأمين لتجربة العقود الثلاثة المنصرمة آخذين في عين الاعتبار عجزهم وفشلهم في تقويم النظام الإرهابي السابق، وأضاف: الابتزاز السياسي الذي لجأت إليه هذه المجموعات أمر غير مقبول ولن يحقق لهم أي نوع من المكاسب بل يمكن أن يكون خصما عليهم ويفقدهم كثيراً.
ويرى أبو الجوخ أن الشعب السوداني أصبح ملما بهذه الأساليب التي سبقتهم إليها الحركة الإسلامية، مشددا على أن هذه الجماعات سوف تكون حاضرة كتيار في المشهد القادم للساحة السياسية ولكن لن يكونوا فاعلين ما لم يتحلوا بروح الشجاعة ويقدموا رؤى نفسية تبين موقفهم وسلوكهم طيلة الثلاثين عاما وصمتهم وتواطؤهم مع الإنقاذيين.

عبد الحي والاتفاقية

الداعية الإسلامي الشيخ عبد الحي يوسف كشف عن فجيعته بالاتفاقية التي تمت بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، واصفا إياها بالخائنة والظالمة مشددا بـ(لا وألف لا للاتفاقية)، داعيا من خلال خطبته بمسجده الجمعة الماضية شرفاء القوات المسلحة لحماية الدين وحفظ البلاد من الفتن، وأضاف أن قوى الحرية والتغيير حريصة على مد الفترة الانتقالية لتفكيك الجيش والقوات الأمنية وتمكين القوات المتمردة والحكم بالعلمانية وتبديل القوانين، كما دعا عبد الحي لمسيرة مساء الأمس قبالة القصر الجمهوري سبق أن دعا لها مرارا وقوبلت بالرفض من اللجنة الأمنية بالمجلس العسكري الانتقالي.

ميثاق المهتدين

كما أعلنت مجموعتان من أنصار السنة المحمدية والإخوان المسلمين عدم مشاركتها في خطوات عبد الحي يوسف. في المقابل تصدى كثيرون من رجالات الدين لسيناريو اختطاف الدين من قبل الانتهازيين وتوظيفه في سياق الصراع السياسي بحثا عن موطئ قدم في المشهد أو بحثا عن منصب في المعادلة السياسية أو لحماية مصالح مستترة، لتعلن هيئة شؤون الأنصار وسط حضور كبير من علماء الدين الإسلامي وقادة الطرق الصوفية والمفكرين وجميع الكيانات الدينية، انحيازها لخيارات الشعب في المطالبة بالحرية والكرامة واختيار النظام الذي يحكمه دون وصاية. وقال الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الأمير عبد المحمود أبو إبراهيم، في كلمته في حفل إفطار أهل القبلة الأربعاء العاشر من رمضان الخامس عشر من مايو الجاري: “وجهنا الدعوة لكل ممثلي المدارس الإسلامية دون استثناء. فالمسلمون بجميع مدارسهم هم من أهل القبلة، ونقول في هذا المقام: إن واجب الوقت يفرض على كل الكيانات الدينية أن تعلن انحيازها لخيارات الشعب في المطالبة بالحرية والكرامة واختيار النظام الذي يحكمه دون وصاية”. منوها إلى أن الشريعة الإسلامية تفوقت على الملل والنحل الأخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان وتكريمها للإنسان كإنسان، ومراعاتها لظروف المكان والزمان.. إن إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة. وللإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن هي: المطالب الروحية- الخلقية- العاطفية- المعرفية- المادية- الاجتماعية- البيئية- الجمالية- الرياضية- والترفيهية.

وأوضح أمين عام هيئة شؤون الأنصار أن الواقع الذي تعيشه أمتنا يتطلب منا سبع خطوات نخطوها معا لتصحيح صورة الإسلام ولاستعادة دور أمتنا في الشهود الحضاري وذلك بالاتفاق على مبادئ الدولة في الإسلام؛ فغياب هذا الاتفاق أدى إلى ربط الإسلام بالسلطة السياسية المستبدة، وربط العمل الإسلامي بأساليب العنف العشوائي مما جلب للإسلام ضررا كبيرا وأعطى أعداءه حجة قوية للنيل من ديباجته الوضاءة، فضلا عن بلورة منهج جديد للتفكير، كذلك قراءة التاريخ بمنهج تمييزي لأن السلوك البشري ينطلق من خلفيات ثقافية وعقدية واجتماعية، وهي تمثل ماضي وحاضر الإنسان، مشيرا إلى أنه وقعت في تاريخنا أحداث كثيرة أثرت على مسيرة الحياة وما يعنينا في هذا المجال هو الصراع التاريخي بين الفرق الإسلامية: هذا الصراع له أسبابه ودوافعه ومبرراته التاريخية، ولكنه ظل حاضراً في كل خلافاتنا المعاصرة أن “أهم جدليات الاختلافات الفكروية: جدلية الظاهر والباطن ـ والنقلي والعقلي ـ والتعصب. الجدليتان الأوليان أدتا لنشأة فرق ومدارس كثيرة وستتكاثر اجتهاداتها مع الحرية. ولكن الثالثة مصدر تفرق اختلط بصراع السلطة والسياسة. بالاضافة إلى الوعي بالواقع”.

وأكد أبّو أن الخطاب الديني الحالي عند كثير من الجماعات لا يمتلك أدوات التغيير؛ لأنه منفصل عن الواقع ولا يخاطب قضاياه بصورة إيجابية؛ فهو إما متمرد على الأوضاع يخاطبها بلغة الغلاة, وإما مدجن يبرر الواقع ويدعو للصبر عليه حتى يأتي الفرج, ولذلك انصرف كثير من الشباب عنه لارتياد مواقع يشبعون فيها حاجاتهم.

قاطعاً بأن مراعاة الأولويات في الدعوة تضيق الشقة بين المسلمين وتخرج الخطاب الإسلامي من المأزق الذي أوقعه فيه الغلاة وصغار العقول، لأن المشترك بين المسلمين يتمثل في الكليات والمقاصد والمبادئ التي لا خلاف عليها, وتختلف الأولويات حسب الحال والبيئة لكل عصر ومصر وظرف.

وطالب بإزالة المظالم المفرخة للأزمات، لجهة أن الإسلام ربط بين التوحيد والعدل وشدد على مبدأ المساواة، وحث على رفع المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها, لقد وقعت مظالم كثيرة في عالمنا الإسلامي أدت إلى تفرق الكلمة وذهاب الريح، وهي تشكل عقبة كأداء أمام نهضة الأمة فالواجب إزالتها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

واعتبر عبد المحمود أن الشعار الإسلامي الذي رفعه نظام “الإنقاذ” اتخذ نهجاً أحاديا، وعن طريق التمكين خلق استقطابا حادا داخل الجسم الإسلامي السوداني، وأكثر حدة في الجسم السوداني بين المسلمين وغير المسلمين، واستقطابا إقليميا ودوليا، منوها إلى أن هذا النهج أخفق في تقديم أنموذج إسلامي عصري، مما أدى لانطلاق تيارات علمانية تستقطب الشباب وقوى حديثة، بدعوى أن المشروع الحضاري -أي الإسلامي- قد سقط، وأنه تسبب في تمزيق البلاد؛ والمطلوب بالتالي هو دفن تلك الشعارات، والفصل بين السياسة والدين وبين الدولة والدين، هذه الدعوة شدت إليها كثيرين يرفضون الخطاب الإسلامي.

تقرير : هبة علي

الخرطوم (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى