صلاح الدين عووضة

عدى فات !!

1
*طرق الباب على استحياء..
*شاب نحيل…طويل…عريض الجبهة…بارز العينين قليلاً ؛ مع اتساعهما..
*تفضل يا ابني ؛ دعاه صاحب الدار…والتي تجاور داره..
*وكان هو المهندس الزراعي بمؤسسة حلفا الزراعية عبد القادر عبد الفراج (قدورة)..
*وبعد رشفه الشاي أخرج من جيبه ورقة فلسكاب مطبقة..
*فردها بيدين راجفتين وطفق يقرأ منها ما كانت الزيارة العصرية من أجله أصلاً..
*من أجل استشارة المهندس في باكورة انتاجه الشعري..
*واختار لها عنواناً (حان الزفاف)…فقد نزف شعراً من وحي (قلبي ريدك نزَّفو)..
*ولم تفارق مفردات (الغيم) قصائده منذ ذياك الزمان..
*بيد إنه غادر منزل جاره مثل غيمة صيف عجلى…بعد أن لم يجد مبتغاه عنده..
*فما لقدورة والشعر ؛ هكذا قال له قديماً…ولنا حديثاً..
*وربما لو علم أن مستشيره هذا سيضحى ذا شأن إبداعي لكان له معه شأن..
*ولما تركه – كغمام في حياته – (عدى فات)..
2
*أحدهما من أشكيت…والآخر من دغيم ؛ وكلاهما شاعر..
*ثم كلاهما كانا صديقين لي…وعانيت من عدم توافق كل منهما مع الثاني ؛ شعرياً..
*فابن دغيم شاعر غنائي ينسج أحرفاً من حرير ناعم..
*فهو يطوع كلام الناس الدارج تطويعاً ليس من توصيف له سوى (السهل الممتنع)..
*بينما ابن أشكيت – عبده سري – (يستنطق الصخر العصيا)..
*واحتفظت بصداقة كلٍّ منهما – على حدة – بعد أن عجزت عن جمعهما سويا..
*ثم كلٌّ منهما – كسحابة صيف – (عدى فات)..
3
*أبى يوماً إلا أن يوثق لي بعض شعره تسجيلاً…مع شرح حكاية كل قصيدة..
*واستوقفتني – على وجه الخصوص – حكاية (ما سلامك)..
*وهي من أجمل ما تغنى به المطرب مجذوب أونسة…ومن أجمل أغاني بلادي..
*وفيها يقول :
كنا قايلين بورانا……….تبقى زينا طاري ديمة
كنا قايلين نحنا عندك……..في عيونك لينا قيمة
قلنا تتلقانا إنت………زي زهور تحضن نسيما
إلا ريدك تاري روَّح…عدى فات زي كل غيمة
*وبعد أن كادت الشمس (تعدي) – كسحب سمائها – و(تفوت)…انسرب مني خارجاً..
*وزي كل غيمة…عدى فات..
4
*قبيل تغرُّبه تمثل مقاطع شعرٍ له…مسقطاً حال الحبيبة الأنثى على الحبيب الوطن..
*وهي : هسه خايف من فراقك………لما يحصل ببقى كيف
زي ورد في عز نداه…….خوفو بكرة يزوره صيف
الفرح في دربي عارفو……….أصلو ما بطول كتير
زي سحاب في سمايا عدى…وسابني في عز الهجير

*هاتفني من غربته هذه…وقد آذنت شمس البشير – بعد نهار طويل – على المغيب..
*سألني عن أحوالي – وأحوال البلد – مع (هجير) الإنقاذ..
*قلت له : هي الآن مثل سحائب شعرك وغمائمه…على وشك أن تعدي…و تفوت..
*ولعله – وهو يلفظ أنفاسه – استشعر رضا أن حضر زوال الغمة..
*ثم عدت سحابة الحياة من عينيه..
*ومن سمائنا..
5
*يا عزمي أحمد خليل…الذي عدى فات :
*سوف تبكيك سحب حلفا – ومدائن وطني – غيثا..
*وسحب شعرك دما !!.

الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى