تحقيقات وتقارير

طباعة العملة.. إستعادة الثقة في الجهاز المصرفي

إثر تطور الأحداث السياسية والاقتصادية في البلاد عقب الحكومة السابقة،  والذي بدأت  بشرياته تلوح في الأفق بعد الضائقة التي عاشها المواطن لفترة طويلة استعصى عليه توفير أبسط الاحتياجات لأسرته، خاصة أزمة السيولة التي جاءت نتيجة لعدة سياسات خاطئة، بجانب انتشار الفساد بصورة كبيرة.

 

ومؤخراً، كشف نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان عن استجلاب خط جديد لمطبعة العملة لاستمرار عمليات الطباعة لحل أزمة السيولة، بهدف إعادة الثقة للجهاز المصرفي وإعادة عمليات السحب، كما كانت عليه في السابق، ومن المعلوم أن المصارف السودانية منذ العام 2018 شهدت مشكلة انعدام السيولة وتزاحم العملاء للحصول على مبالغ مالية من أرصدتهم لتلبية احتياجاتهم، ولكن دون جدوى، وتفاقمت الأزمة في البلاد  في أكتوبر من العام 2018، عقب تراجع الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية حيث تراجع إلى 47,5 جنيه مقابل الدولار،  من 29 جنيهاً أدى بدوره لرفع الأسعار بصورة جنونية وارتفع معها التضخم لأرقام فلكية،  ساهمت في انطلاق شرارة التظاهرات الرافضة لبقاء النظام،  فاتجهت الدولة لوضع العديد من الإجراءات لإنقاذ الموقف، فاتجهت لطباعة المزيد من العملات بالخارج وطرح فئات جديدة كالمائة والمئتي  جنيه والخمسمائة جنيه، حيث تمت طباعة نقود بما يقدر ب1,2 مليار جنيه من فئة المائة جنيه،  ولكن أزمة نقص السيولة استمرت خاصة بعد  عزوف العديد من المواطنين عن إيداع أموالهم في البنوك لتخوفهم من عدم الحصول عليها جراء النفقص الحاد، وعزا المراقبون  المشكلة لعدم استقرار سياسات البنك المركزي مما كان لها الأثر السالب على أداء الاقتصاد بالبلاد، بجانب وضع حلول جزئية خاصة بعد طباعة عملات من الفئات الجديدة، الأمر الذي لم يكن له أثر إيجابي على إصلاح الوضع بشكل عام، بجانب ذلك أدى إلى اتجاه المواطنين لتجارة العملة الأجنبية، وإدخال ثقافة الدولار بالكاش ما ساهم في إحداث فوضى وظهور طرق عديدة لعمليات البيع والشراء(كاش والشيك)، الأمر الذي لعب دورا في رفع الأسعار بصورة جنونية خاصة في التعامل عبر الشيكات  ، وهذ إدى إلى انطلاق شرارة مما أدى إلى اقتلاع النظام السابق، ولكن يبقى السؤال، هل الاتجاه لطباعة المزيد من العملات خلال الفترة القادمة سيكون له دور في معالجة المشكلة التي عانى منها المواطن المغلوب على أمره لفترة من الزمن عبر استجلاب خط جديد للمطبعة، حيث أوضح  الخبير الاقتصادي،  د- حسين القوني خلال حديثه لـ(الصيحة) أن مسألة طباعة عملة ورقية أو معدنية شأن من اختصاص البنك المركزي وفقاً لسياسته على المدى القريب والمتوسط والبعيد، موضحا أن طباعة عملة ورقية إضافية سيكون له أثر سالب على الاقتصاد خاصة إذا لم يصاحبها إنتاج، وذلك حسب الخطط والبرامج المقررة بناء على نسبة محدة من الناتج القومي الإجمالي، ووفقاً للأسس المتبعة.

 

وأضاف: بما أن البنك المركزي أصدر كمية من الإصدارات الورقية من فئات (100-200-500) جنيه في الفترة الأخيرة، حيث تم إدخالها في الدورة الاقتصادية دون أن يعرف حجم وقيمة هذه الإصدارات من العملات المحلية ومدى التزامها بالضوابط، فإنه ليس من السهل الحديث عن قانونية هذه الإصدارات وقيمتها وحجمها. والمعروف أن أي إصدارات من العملة المحلية سيؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية أن لم يصاحب ذلك إنتاج وستكون المحصلة النهائية ارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة نسبة التضخم، وهو أمر غير مرغوب فيه في ظل الظروف التي يعيشها السودان، لافتاً إلى انخفاض الإنتاج والإنتاجية والاعتماد على الواردات حتى بالنسبة للمواد الغذائية، وقال القوني: نأمل أن يراعى في استيراد ماكينات الطباعة المشار إليها الأسس المتبعة في الشراء ومراعاة المواصفات المطلوبة من احتياجات البلاد خلال الفترة المقبلة، بجانب الالتزام بالضوابط في عملية الطباعة نفسها ، مع الحرص على قفل الأبواب أمام أي اختراقات لطباعة أوراق أو عملات مزورة، مع التشديد في  القوانين العقابية للذين يعملون على التزوير لما له من أضرار على الاقتصاد.

 

فيما يرى الخبير الاقتصادي، د.هيثم فتحي أن طباعة النقود دون أن يكون لها غطاء يؤدي إلى نتيجة أساسية واحدة هي ارتفاع الأسعار، حيث يزيد المعروض النقدي دون أن يقابله زيادة موازية في السلع والخدمات، مؤكدا على طباعة نقود جديدة بمفهوم جديد وفق المعايير العالمية التي تراعي حسابات النمو في الناتج المحلي الإجمالي والتضخم، إلى جانب إحلال وتجديد التالف من فئات العملات، خاصة أن للحكومة اتجاهاً لصرف الرواتب نقداً ، وهذا يؤدي للزيادة في الإنفاق الحكومي، مما يزيد الطلب على النقد المتداول، خاصة إذا كان الإنفاق في شكل زيادة في الأجور والمعاشات والتعويضات التي تدفعها الحكومة إلى الأفراد، وأردف أن طباعة النقود من قبل البنك المركزي عملية فنية معقدة اقتصادياً، فكل وحدة نقدية مطبوعة لابد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي أو سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في المجتمع، حتى تكون النقود المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية، وليست  مجرد أوراق مطبوعة، لافتاً أن الطباعة بشكل مفرط دون غطاء يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد، ومن ثم انهياره بارتفاع معدلات التضخم، خاصة وأن الأفراد يميلون الى تخزين ثرواتهم في شكل (عقارات وسيارات) أو ذهب، بجانب الاتجاه للاحتفاظ بالعملات الأجنبية، وقال: من الأفضل خلق مبادرات لاستعادة الثقة في الجهاز المصرفي السوداني.

 

تقرير: إنصاف أحمد
(صحيفة الصيحة)  

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى