الطاهر ساتي

(أحفاد جلبة )

:: ونحكي مرة أخرى حكاية علي بن جلبة .. كان شاعراً متملقاً في العهد العباسي .. دخل يوماً على الأمير أبي دلف العجلي – من كبار قادة العباسيين – ثم أنشد فيه مدحاُ : ( أنت الذي تنزل الأيام منزلها .. وتنقل الدهر من حال إلى حال/ وما مددت مدى طرف إلى أحد.. إلا قضيت بأرزاق وآجال)، هكذا مدح الأمير، أي رفعه إلى مقام الخالق الرازق .. ولما بلغ أمره الخليفة المأمون، أمر بإحضاره، فأحضروه، ليأمر السجان : (لقد أشرك إبن جُلبة بتلك الأبيات وكفر، ويجب نزع لسانه).. ونزعوه..!!

:: نزعوا لسان ابن جلبة، ومع ذلك لم يتعظ من توالدوا بعده في بلاط السلاطين ، أي لم يمت التملق في العمل العام .. ولكي يموت التملق ويختفي النفاق ، يجب أن يكون من مطالب الشباب – لحكومتهم المرتقبة – إنشاء وزارة يكون لوزيرها ( كماشة)، لينزع بها ألسنة المتزلفين والمتملقين من (الحلاقيم)، أو كما فعل المأمون بلسان إبن جلبة .. فالشاهد حالياٌ، وقبل أن يبلغ عُمر المجلس العسكري شهرأ، إمتلأت صفحات بعض الصحف بالمهنئين والمهنئات، وبالمتملقين والمتملقات.. انهم أحفاد علي بن جلبة ..!!

:: لم تسقط بعد، ومع ذلك لقد بدأ موسم الدجل والنفاق ببعض الصحف والمواقع اللكترونية لبعض الوحدات الحكومية والشركات.. قبيلة زيد تهنئ رئيس المجلس العسكري بالإختيار الذي صادف أهله، شركة عبيد تهنئ نائب رئيس المجلس العسكري بمناسبة نيله ثقة الشعب ..و..هكذا يصنعون الفراعنة.. لم يصبر أحفاد جلبة لحين ينجز السادة بالمجلس العسكري عملاُ يستحقون عليه الشكر من غير تملق، بل منذ الأسبوع الأول انهالوا – أبناء جلبة – عليهم تملقاُ وتزلفاُ..!!

:: أحفاد جلبة يعلمون بأن القيادة ليست سعادة لحد إغراق القائد بسيول التهانئ ..فالقيادة ملامة في الدنيا وندامة في الآخرة (إلا من عدل)، فبأي عقل أو شرع يبارك أحفاد جلبة ويهنئون الرئيس و النائب بكل هذه الغزارة و (القذارة).؟..وبالمناسبة، هذه إحدى ظواهر حكومة البشير وغيرها من الحكومات الشمولية، ويجب أن تسقط في المرحلة القادمة .. لاتوجد هذه الظاهرة في الأنظمة المثالية، و أي مسؤول في أي نظام مثالي مجرد (موظف عام)، ولا يتميز عن أفراد مجتمعه إلا بمقدار ما يبذله من (جهد وعطاء).. !!

:: وكذلك مرافق الدولة وخدمتها المدنية في الأنظمة المثالية، تبدو عفيفة وهي تقف على مسافة بعيدة عن (السياسة) .. ولذلك، لا يتزلف الوزير رئيسه ولا ولا المدير ينافق وكيله ولا المواطن يتعلم الغش والخداع ..فالكفاءة وسلامة الآداء ثم الثقة في النفس هي العوامل التي توفر الإحترام والتقدير بين المواطن و المسؤول ..نعم، بالكفاءة والثقة النفس وسلامة الآداء ، وليس باعلانات النفاق المراد بها إنتهاك الحقوق ومخالفة القوانين ..!!

:: في عهود السودان الزاهية، لم يكن المجتمع يهتم لمعرفة القبائل التي ينتمى إليها المسؤولين، ولذلك لم تكن قبائلنا وعشائرنا تتباهى بالمسؤولين وتحتفي بمناصبهم، كما يحدث الآن ..هذه دولة، ومن يتولى موقعاً في مناصبها لايمثل قبيلته، بل يمثل كل قبائل السودان، أو هكذا يجب تغيير المفاهيم .. وليست من الحكمة أن تزج قبائلنا بنفسها في بحر السياسة.. أخطاء الحكومات – مهما تعاظمت – تزول بزوال الحكومات، ولكن أخطاء المجتمع هي الآفة التي يُستعصى إستئصالها (إذا تفشت)..!!

الطاهر ساتي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى