الطاهر ساتي

ثورة أيضاُ ..!!

:: كما يحدث اليوم، قبل أشهر أيضاُ، عندما كانت حمى الشيكونغونيا تجتاح كسلا، كانت جهة ما تجتهد في صرف عقول الناس عن هذا الوباء، وتشغلها بوسيلة إلهاء فاعلة مسماة بقضية (وئام شوقي)..نعم وجدت الجهة في خطب المساجد ضالتها، وبها نجحت في إلهاء بعض الناس عن تلك الحمى .. وهكذا دائماُ من نسميهم بعلماء السودان، أي هم كأهل العراق الذين سألوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن قتل البعوض للُمُحرم، وتناسوا أنهم أن استباحوا دم الحسين عليه السلام في الشهر الحرام..!!

:: وكثيرة هي مفاسد المرحلة الفائتة، ولكن من أولويات المرحلة القادمة فان خًطب المساجد يجب أن تكون نبراساً للوعي و دليلاُ للمعرفة.. وبقانون رادع، لا يجب أن تكون خطب الجمعة من وسائل بث الكراهية والفتن في المجتمع، أو كما كانت خطب السواد الأعظم من شيوخ وعلماء السلطان طوال العقود الفائتة .. نعم، كما أفسدت كل مناحي الحياة العامة بأجندتها، لقد أفسدت الحكومة السابقة خطب الجمعة أيضاً، وذلك بتحويلها إلى خطب سياسية يُراد بها التعبئة السالبة والترهيب وترسيخ سياسة ( فرق تسد)…!!

:: و في ذات جمعة، قبل تسع سنوات تقريباُ، كتبت بالنص : لو لم يكن مزعجاً، لاقترحت للناس والحكومات بسن قوانين تبيح للمصلي تصويب الخطيب ب(نقطة نظام)، ليس فقط حين يخطئ في الخطبة، بل حين يتفوه بما يهدد سلامة الناس والبلد أيضاً ..نعم فالسواد الأعظم من خطباء الجمعة يعكرون صفو السلام ويبثون ثقافة الحرب والكراهية والتوجس في المجتمع، ومع ذلك ليس هناك أي مفر غير الإستماع إلي تلك الخُطب بلا نقاش أو (نقطة نظام)..!!

:: فالناس والبلاد بحاجة إلى خطب لا تشعل الفتن .. لقد تطورت المنابر من حولنا بالخطب التي تخاطب العقل بالوعي والمعرفة والحقوق والواجبات، ولا تملأ قلبه بالكراهية.. ولقد تطور الأئمة من حولنا بالبحث في جوهر الدين ومقاصده وما بها من إعجاز علمي يخدم حاضر البشرية ومستقبلها، وما ينفع المجتمع وينشر المحبة.. ولكن هنا ، طوال المرحلة الفائتة، إما خطب طابعها التكرار و السجع، أو إجترار المسلًمات التي بات يعرفها حتى أطفال الرياض وتلاميذ الأساس، أو خطب الفتن والحرب ..!!

:: هم يعلمون بأن خُطب الجمعة هي الأقوى تأثيراً في العامة غير المتعلمة، ويجب تسخيرها إلى ما ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم ..ولكن واقع الحال في بلادنا، يسأل : كم نسبة الذين يواظبون على حضور خطبة الجمعة من بدايتها وحتى نهايتها، مقارنة مع نسبة الذين يتمهلون – أو ينتظرون – لحين إنتهاء الخطبة و إقامة الصلاة ثم يهرولوا نحو المسجد؟..وكم نسبة الذين يحتفظون بخطبة الجمعة في ذاكرتهم لحين الجمعة التالية، مقارنة مع نسبة الذين ينسونها قبل أن تبارح أقدامهم عتبات المساجد ..؟؟

:: لو كانت بالدولة جهة ذات مقياس، لكشفت للناس أن منابرنا بحاجة إلى ( ثورة أيضاٌ).. أي إلى تطوير يخاطب عقول الناس بالمعرفة التي يجب أن تشمل على كل ما يحتاج إليه المسلم في حياته.. فان عقول الناس كما بحاجة إلى الوعظ، ثم الترغيب في الجنة والترهيب من النار، هي أيضا بحاجة إلى تنوع يلامس أمور الدنيا بالوعي والتحليل وليس بالإنشاء والتلقين والترهيب و ( التكفير)..!!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى