الطاهر ساتي

البدايات …!!

:: حكم فرنسا بقبضة حديدية، ولم يكن له برلمان ولا مجلس وزراء ولا قانون إلا في إطار شكلي عاجز عن صناعة القرار و غير مؤثر في مسار الدولة .. وعندما طالبت بعض مناطق فرنسا بدولة المؤسسات والأجهزة والقوانين تنظم حياة الناس ، رفض الطلب وصاح فيهم غاضباً : ( أنا الدولة، والدولة أنا)، وصارت كلماته هذه أشهر ما قيلت في عدم إحترام الآخر، جهازاً حكومياً كان أو قانوناً أو شعباً..لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، لايزال المثل الأعلى لبعض سلاطين هذا الزمن ..!!

:: وهنا الخلاف لايزال عميقاُ ما بين المجلس العسكري و تجمع المهنيين و قوى الحرية و التغيير حول (المجلس السيادي).. فالشباب بتجمع المهنيين و السادة بقوى الحرية والتغيير يخشون أن يتحول المجلس العسكري إلى مجلس سيادة ثم لويس الرابع عشر، أي ذي سلطة مطلقة، مثل كل ديكتاتوريات العالم الثالث ( والأخير طبعاُ).. ولذلك يقترحون مجلس سيادي مدني يكون للعسكر فيه تمثيل ، ليؤدي المهام السيادية .. ولكن المجلس العسكري يرفض الاقتراح ويتمسك بتشكيله العسكري..!!

:: وهذا الخلاف، ما لم يتم تجاوزه اليوم، لايُبشر بالخير .. فالسابعة مساء اليوم ، حسب اعلان تجمع المهنيين، موعد المؤتمر الصحفي لإعلان السلطة .. سيُعلن فيه عن الأسماء المختارة لتولي المجلس السيادي المدني الذي سيضطلع بالمهام السيادية في الدولة، مع عرض تفاصيل الجهود المتقدمة بشأن السلطات المدنية الأخرى والتي سيتوالى إعلان أسماء عضويتها تباعاً، حسب الاعلان بموقعهم.. لتبقى الأسئلة، هل وافق – أو يوافق – المجلس العسكري؟، أم من هنا يبدأ الصراع ..؟؟

:: فالتسريبات غير مؤكدة تشير إلى إتفاق الأطرف على الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان عبدالرحمن لرئاسة مجلس السيادة، و الفريق أول محمد حمدان حميدتي نائباُ ثانياُ لرئيس مجلس السيادة ونائبا لرئيس اللجنة الأمنية، وأن يتم تشكيل المجلس من تسعة أعضاء من القوات المسلحة و الشرطة وستة مدنيين يمثلون أقاليم السودان .. ونأمل أن يكون قد تم الاتفاق على المجلس بشكل يطمئن الشباب والقوى السياسية، وخاصة أن المجلس العسكري بشكله الراهن (غير مطمئن)، لأن التاريخ السياسي لبعض أعضاء المجلس لم يعد مخفياُ..!!

:: والمهم.. ليس بعيداُ عن خلافات البداية، نحكي حكاية .. يُحكى أن الابن اشترى بنطالاً، ووجده طويلاً بزيادة (4 سم)..طلب من والدته تقصيره، فاعتذرت لظرف ما .. فطلب من أخته تقصيره، فاعتذرت أيضاً لظرف ما .. فذهب إلى الخيًاط وقصًره، وعاد الى المنزل ووضعه في الدولاب..ولاحقاً، حن قلب الأم، بحيث ذهبت إلى غرفة الإبن، وأخرجت البنطال من الدولاب وقصرته (4 سم).. وبعدها، حن قلب الأخت أيضاً، وذهبت إلى غرفة شقيقها وأخرجت البنطال وقصرته (4 سم).. وفي الصباح، أراد الإبن أن يرتدي بنطاله، وإذ به يتفاجأ بأن البنطال أصبح ( برموده)..!!

:: تلك القصة تحكي عن أفراد إجتهدوا لإنجاز عمل .. وقد عملوا .. ولكن رغم صدق النوايا و الجهد المشترك، أفسدوا العمل وتكبدوا الخسائر.. أي لم يكتفوا بعدم انجاز العمل، وكان من الأفضل ألا ينجزوه، لكي لا يخسروا الجهد والزمن والمال .. ولكن بضعف التنسيق وأزمة التنجانس، أفسدوا العمل و أهدروا الجهد والزمن و المال . وهكذا تقريباً مؤسسات الدولة غير المتجانسة.. وما لم يعمل السادة بالمجلسين – السيادة والوزراء – بالتجانس والتنسيق في كل مراحل بناء وإدارة الدولة، فان جيل التضحيات سوف يتفاجأ بحلم بنطاله وقد أصبح بحجم ( برموده )..!!

الطاهر ساتي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى