تحقيقات وتقارير

مُطالبات الثوار.. المجلس العسكري على المحك

مُطالبات الثوار واضحة جلية لا لبس فيها، تتمحور في تفكيك المؤتمر الوطني الذي تنعّم بالحكم ثلاثين عاماً وإبعاد كل المنتمين إليه من العمل في فترة الحكومة الانتقالية ومحاكمة الفاسدين… وبعدها فليتنافس المتنافسون وفق نظام دستوري ليس فيه إقصاء ونظام انتخابات عادل وفترة حكم لا تتجاوز الأربع سنوات .

 

من مطالبات الثوار أن تكون فترة الحكومة الانتقالية أربع سنوات لا سنتين كما قال المجلس العسكري الانتقالي .

 

والثوار المعتصمون أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة يعلمون هذه المطالب ويزيدون عليها بتكوين حكومة مدنية ويتفقون مع تجمع المهنيين الذي قاد الحراك منذ البداية ويتفقون كذلك مع تجمع إعلان الحرية والتغيير الوعاء الذي يضم عددًا من الكيانات والأحزاب .

 

والشباب الذين فتحوا صدورهم للرصاص وأنوفهم للبمبان، والأميرات الكنداكات طالبات الثانويات والجامعات اللائي توحدت قلوبهن مع قلوب الشباب جميعاً اتفقوا على إحداث تغيير حقيقي ويظنون ولهم الحق في ظنهم بأنهم إذا غادروا مكان الاعتصام ستغادر مطالبهم معهم إلى حيث اللاعودة .

 

ولهذا يتمسكون بالبقاء، ويمكن أن يتعرضوا في سبيل قرارهم هذا إلى كثير من العنت والمشقة وربما أكثر .

 

أرى أن شباب الثورة من الجنسين قرأوا التاريخ جيداً وتعلموا منه ولا يريدون الوقوع في نفس أخطاء الماضي بتكوين حكومة انتقالية على عجلة من الأمر ثم التناحر والخلاف ثم انقلاب عسكري يحمل معتقداً معيناً يقصي الآخرين من المشهد السياسي ويفصله على مقاسه..

إن التغيير الذي حدث سواء أكان انقلاباً أو تغييراً لم يقل منفذوه إنهم يمثلون حزبًا معيناً ولم يشيروا إلى أنهم أصحاب رؤية محددة كما حدث في انقلاب عمر البشير عام 1989 أو انقلاب النميري عام 1969 . إنما قالوا إنهم تسلموا طلباً من المعتصمين لاستلام السلطة، ولهذا استلموها حقناً للدماء .

 

ولهذا كان متوقعاً وفق تلك المعطيات وبما أن التغيير جاء استجابة لطلبهم أن يرفض المعتصمون تعيين عبد الماجد هارون وكيلاً لوزارة الإعلام ومعروف عنه انتماؤه السياسي لحزب المؤتمر الوطني ويرفضون كذلك تعيين يونس محمود مستشاراً للمجلس العسكري بحكم أنه كان صوت الإنقاذ في بداياتها وخلق بأحاديثه في الإذاعة عداوات مع كثير من الدول بينها السعودية .

 

إن المجلس العسكري الذي وجد التقدير والاحترام لأخلاق قادته العالية وسماحة قلوبهم، عليه أن ينأى بنفسه عن الدخول في صراعات بسبب خياراته التي تتم دون تدقيق وذلك بالابتعاد عن المعروفين بالولاء الصارخ للنظام السابق .

 

إن الأسباب التي استند إليها المجلس العسكري في إبعاد الفريق أول ركن عوض بن عوف من رئاسة المجلس العسكري وإعفاء عبد المعروف من منصبه، هي نفس الأسباب التي استند إليها الثوار في رفضهم لعبد الماجد وغيره من الأشخاص الذين عملوا خلال فترة الإنقاذ وينتمون للمؤتمر الوطني، أو حتى للأحزاب والكيانات التي تحالفت مع المؤتمر الوطني وارتضت أن تقوم بدور الكومبارس في منظومة الحكومات التي تكونت بمن فيهم الذين ارتضوا أن يترشحوا للمجلس الوطني، وهم يعلمون أنها انتخابات تفتقد السند الشرعي أمثال أبو القاسم برطم وغيره من البرلمانيين .

 

هذه هي مطالب الثوار والتي بلا شك ستختلف عن رؤية الذين كانوا جزءاً من الحزب الحاكم وانفصلوا عنه مع أنهم وافقوا على الانقلاب على الديمقراطية أمثال غازي صلاح الدين وحسن رزق وعلي الحاج وغيرهم .

 

وستتعارض أيضاً مع الذين وقعوا اتفاقات مع المؤتمر الوطني كجبهة الشرق التي تضم مجموعة أحزاب شرقية ناضلت وسكبت الدماء، وهي تقاتل الإنقاذ كأمثال موسى محمد أحمد الذي تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية، ومبروك، وبقية أعضاء الجبهة من الذين شاركوا في حكومات الإنقاذ ومثلهم كذلك أعضاء الحركات المسلحة من الذين وقعوا أيضاً اتفاقات مع المؤتمر الوطني أمثال أبو قردة وغيره.

 

ولهذا أشير إلى وجود تعقيدات كبيرة ستصاحب اختيارات الحكومة الانتقالية، خاصة وأن هنالك من سيرى أنه أجبر على مغادرة البلاد أمثال علي محمود حسنين الذي حضر قبل أيام للحاق بركب الثورة .

نعم، إن القضية ليست بالصورة التي في مخيلة المجتمع السياسي في السودان .

 

وبما أنه تم الاتفاق الآن على تشكيل حكومة كفاءات قليلة العدد ومجلس تشريعي بعدد محدود من الأعضاء، فإنه من المهم أن تتكون الحكومة من الذين لم يتذوقوا عسل الإنقاذ وظلوا صامدين على موقفهم رغم الإغراءات التي كانت تقدمها الإنقاذ في كل مفاوضاتها مع المعارضة، ومن ثم يكون هنالك مجلس استشاري يكون تكوينه من باقي المعارضين الذين أكلوا حتى أصابتهم التخمة من موائد الإنقاذ .

 

أما الحديث عن تفكيك نظام الإنقاذ وفق ما سمعته من المعتصمين، فإنه لن يكون فقط بإبعاد قيادات ورموز المؤتمر الوطني وحدهم بل سيكون بإبعاد وتفكيك كل منظومة البلاد من أدناها إلى أقصاها بإبعاد كل أعضاء المؤتمر الوطني من مفاصل القرار في أي مؤسسة أو شركة حكومية وغيرها من التكوينات بمن فيهم أئمة المساجد الذين كانوا يحولون الأسود إلى أبيض يخالفون الضمير ليجعلوا سر المؤتمر الوطني في (البئر).

 

أما مسألة إصرار الثوار لتكون فترة الحكومة الانتقالية أربع سنوات، فإنهم يريدون مواصلة تفكيك حزب المؤتمر الوطني والتي ستستغرق فترة طويلة وقد لا تكفيها فترة السنتين .

 

أما ما حدث في السودان حسب السيناريو الذي تم، هو تغيير حقيقي من رجال في القوات المسلحة انحازوا لصوت الجماهير لم يخونوا عهدهم مع القدامى، لكنهم حفظوا في دواخلهم العيش والملاح، ولهذا وصفت صحيفة واشنطن بوست ما حدث في السودان بأنه انقلاب رمادي، مع أن الممثل المصري عادل إمام له مقولة مشهورة في مسرحية شاهد ماشافش حاجة (اللون الرمادي أنا ما أحبوش) لكنه يبقى تغييراً حقيقياً فيه إبعاد للمؤتمر الوطني على الأقل في هذه المرحلة .

 

إن التغيير الذي قال المجلس العسكري إنه جاء انحيازاً لرأي الشعب يتطابق مع قرار الثوار بالقيادة العامة بالبقاء والاعتصام إلى حين تنفيذ مطالبهم الواضحة والجلية كما قلت في البداية .

 

وأخيراً أوجّه رسالة إلى تجمّع قوى الحرية والتغيير بأن لا يتعجل في إعلان الأسماء إلا بعد اتفاق تام حتى نُجنب البلاد صراعات جديدة واختلافات قد تنسف النجاحات التي تحققت حتى الآن.

 

ليس مهماً إعلان تلك الأسماء اليوم أو غداً، ولكن المهم حقاً أن تحظى بالقبول وأن لا تكون سبباً في اندلاع الحريق .

 

تحليل : محي الدين شجر

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى