تحقيقات وتقارير

السودان إلى أين بعد سقوط الرئيس المخلوع البشير ؟

أطاح الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير بعد أن أمضى ثلاثة عقود في كرسي الحكم وذلك في أعقاب احتجاجات شعبية استمرت شهورا.

وقد أعلن الجيش فترة انتقالية تصل إلى عامين تعقبها انتخابات غير أن المتظاهرين يطالبون بسرعة تسليم السلطة للمدنيين.

 كيف سقط البشير؟

كان البشير (75 عاما) من أقدم القيادات الحاكمة في أفريقيا والعالم العربي. فقد تولى الحكم في انقلاب عام 1989 واستمر رغم عزلة فرضها الغرب عليه ورغم حروب أهلية وانفصال جنوب السودان وقائمة اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية وعدة موجات سابقة من الاحتجاجات.

 

إلا أن أزمة اقتصادية مستفحلة فجرت احتجاجات في ديسمبر كانون الأول سرعان ما انتشرت في مختلف أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة مطالبة البشير بالرحيل. وتواصلت الاحتجاجات على مدى 16 أسبوعا رغم حملة أمنية سقط فيها عشرات القتلى واحتجزت فيها السلطات الآلاف.

 

وفي السادس من أبريل نيسان صعد المحتجون الضغط باعتصام خارج مقر وزارة الدفاع في الخرطوم. وحاولت قوات الأمن وأجهزة المخابرات إخلاء منطقة الاعتصام لكن الجيش حمى المعتصمين قبل أن يعلن الإطاحة بالبشير في 11 ابريل نيسان.

 

وقال حامد التجاني أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة وهو سوداني الجنسية إنه رغم صلات البشير الوثيقة بقيادات الجيش العليا فإن الضباط أصحاب الرتب المتوسطة بل والأصغر الأكثر اتصالا بالمجتمع تعاطفوا مع مطالب المحتجين.

 

وأضاف أنه مع تصاعد الضغوط من الشارع نأت فئات داخل المؤسسة الأمنية بنفسها عن البشير في سعيها لحماية مراكزها.

 

وقال ضابط بالجيش السوداني إنه تم إبرام صفقة مع القيادات العسكرية. وتابع ”كان من الضروري تغيير الوجوه وقرر الجميع تغييرها دون إراقة دماء“.

 

 ما الذي حدث بعد ذلك؟

أثار تعيين عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس على رأس المجلس العسكري الانتقالي غضبا واسع النطاق في صفوف المحتجين بسبب الصلة الوثيقة التي كانت تربطه بالبشير.

 

ولم يتحمل الضغط سوى 24 ساعة تنحى بعدها عن موقعه مساء يوم الجمعة. وفي اليوم التالي استقال صلاح عبد الله محمد صالح المعروف باسم صلاح قوش من منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

 

وكان صلاح قوش يعتبر منذ فترة طويلة ثاني أقوى رجل في البلاد بعد البشير وكان من القيادات الرئيسية التي استهدفها المحتجون.

 

 

 لمن السيطرة الآن؟

حل الفريق عبد الفتاح البرهان محل بن عوف رئيسا للمجلس العسكري. وكان البرهان ثالث أرفع القيادات في الجيش السوداني ولا يُعرف عنه الكثير على المستوى الشعبي.

 

وقد أشرف وهو قائد للقوات البرية السودانية على القوات التي أرسلها السودان للقتال في الحرب اليمنية تحت قيادة السعودية وتربطه علاقات وثيقة بكبار المسؤولين العسكريين في الخليج.

 

ونائب البرهان هو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ولقبه الشائع هو حميدتي. وقوات الدعم السريع وحدة شبه عسكرية خرجت من رحم ميليشيا الجنجويد التي حاربت في دارفور وخرج من صفوفها قوات للقتال في اليمن.

 

ومن الأعضاء الآخرين في المجلس العسكري المؤلف من عشرة أعضاء ممثل لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وقائد الشرطة.

 

وقال مصدر سوداني وثيق الصلة بالقيادة العسكرية إن الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر كان لها دور في التخطيط ”لعزل البشير والفريق عوض بن عوف وصلاح قوش“ في إطار استراتيجية ترمي لإضعاف قوة الإسلاميين في السلطة بالسودان“.

 

وكان البشير قد تولى السلطة في انقلاب أيده الإسلاميون. وكان ينتمي للحركة الإسلامية التي تماثل الإخوان المسلمين وطبق الشريعة الإسلامية.

 

 من هم مؤيدو القيادة الجديدة؟

سارعت الإمارات العضو الرئيسي في التحالف الذي يحارب في اليمن تحت القيادة السعودية للترحيب بتعيين البرهان وقالت إنها ستعمل على التعجيل بإرسال المساعدات للسودان. وعقب تعيين البرهان قالت السعودية إنها سترسل كميات من القمح والوقود والأدوية إلى السودان.

 

وقالت رئاسة الجمهورية في القاهرة إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصل بالبرهان هاتفيا ليعرب عن دعم مصر لاستقرار السودان.

 

كما أعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان أن وفدا مشتركا من الإمارات والسعودية زار الخرطوم واجتمع مع البرهان وحميدتي لنقل رسالة مفادها استعداد البلدين لتقديم الدعم للسودان في هذه ”المرحلة المهمة والتاريخية“.

 

وقال المصدر السوداني إن الإمارات والسعودية، اللتين دعمتا الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وعملتا على التصدي للإسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين في المنطقة، تعملان على تحقيق الهدف نفسه في السودان.

 

وأضاف ”يريدون استخدام المساعدات الاقتصادية لتشجيع بعض مراكز القوى في السودان وإضعاف حضور الإسلاميين وسيطرتهم الكاملة على المؤسسات الاقتصادية“.

 

 

وقال الضابط العسكري السوداني إن نفوذ قطر وتركيا المنافستين الإقليميتين للإمارات والسعودية واللتين كانت صلات قوية تربطهما بالبشير سيصبح محدودا. وأضاف ”كانت لعبة شد الحبل وفي الوقت الراهن الفائز هو الإمارات والسعودية“.

 

واستقبل حميدتي مبعوثين دبلوماسيين من الغرب وقال عدد منهم إنهم طالبوه بضمان الانتقال السريع للحكم المدني. وقال السفير البريطاني إن الاجتماع ”لم يكن للتأييد أو لإضفاء الشرعية“.

 

 ما مدى التنازلات التي يمكن للجيش تقديمها؟

 

وعد البرهان بتشكيل حكومة مدنية بعد إجراء مشاورات مع قوى المعارضة وأعلن تخفيف الإجراءات الاستثنائية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

 

لكن لم يصدر شيء عن الجيش فيما يتعلق بمطالب المحتجين بإشراك مدنيين في المجلس الحاكم ومحاسبة أفراد حاشية البشير الذين فُرضت على بعضهم عقوبات دولية أو وجهت لهم اتهامات دولية.

 

وربما يخشى الجيش تقديم تنازلات إذا واجه معارضة من مواقع أخرى في الجهاز الأمني.

 

وكان البشير يملك أقوى الصلات في أفرع القوات الأمنية المختلفة والتي قد تدخل في منافسات مع بعضها بعضا بعد رحيله.

 

وقال أليكس دو وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تفتس إنه في حين أن قوات الدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات الوطني تربطها صلات بالسعودية والإمارات فإن الإسلاميين في قوات الدفاع الشعبي السودانية لها صلات بقطر.

 

وأضاف دو وال أن ضباط الجيش ”يريدون في الأساس خروجا سلسا للبشير وأن يظل الجيش متماسكا كمؤسسة وهم يحظون بدعم مصري في هذه الاستراتيجية … والمشكلة أن مطالب المتظاهرين تتعلق بالديمقراطية وهم الوحيدون الذين يريدون الديمقراطية. ولا أحد غيرهم يريد الديمقراطية“.

 

ما هو مصير البشير؟

 

عندما أعلن بن عوف عزل البشير قال إن الرئيس السابق قيد الإقامة الجبرية. وقالت مصادر لرويترز إن البشير محتجز تحت حراسة مشددة في مقر إقامته.

 

وقال مصدران من عائلة البشير إنه نُقل إلى سجن كوبر في العاصمة الخرطوم في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء. وقال مصدر في السجن إن البشير محتجز في حبس انفرادي تحت حراسة مشددة.

 

وقال المجلس العسكري إنه لن يسلمه لكنه قد يحاكمه في السودان.

 

وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر بالقبض على البشير في عامي 2009 و2010 للاشتباه في ارتكابه إباده جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. وفي السنوات الأخيرة في حكمه تحدى البشير المحكمة وقام بزيارة عدة دول صديقة من بينها دول أعضاء في المحكمة.

 

وقد نفى السودان والبشير ارتكاب جرائم حرب وقالا إن أرقام الخسائر البشرية في دارفور مبالغ فيها.

 

وتكهن البعض بأنه قد يحذو حذو الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ويلجأ للسعودية.

 

الخرطوم : نقلاً عن “رويترز”

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى