تحقيقات وتقارير

القاهرة ترفض التحكيم الدولي:حلايب .. تصعيد (مصري) وتمسّك (سوداني)

الحديث عن مصير حلايب، ظل رهيناً بشكل العلاقة بين السودان ومصر، فتارة منطقة تكامُل وتارة أخرى (حلايب سودانية). وبحسب مراقبين، فإن قضية النزاع في مثلث حلايب تعد بمثابة “ثيرمومتر” يقيس درجة الحرارة في مجمل العلاقة بين السودان ومصر بدءاً بالعلاقات السياسية وانتهاء بالعلاقات الاقتصادية).

 

حدنا حلايب

مياهٌ كثيرةٌ جرت تحت جسر العلاقة بين البلدين، فعلياً فقد بدأت الحكومة نفسها تحتج، ولعلّنا نذكر تصريح وزير الخارجية السابق بروفيسور إبراهيم غندور الذي كان شفافاً حين ارتبط شكل العلاقة مع مصر بحلايب، فقال: (إن مقولة أحد الساسة المصريين:(نحن والسودانيون حبايب حتى تظهر حلايب، صحيحة وستظل قائمة)؛ لأن حلايب أرض سودانية بوقائع التاريخ والجغرافيا.

غندور قال – حينها – في حواره مع (روسيا اليوم)، إن السودان لن يجعل حلايب سببًا في خلاف يؤدي إلى انقطاع العلاقات مع مصر، مطالبًا بحل القضية إما بالحوار المباشر أو التحكيم الدولي، لافتاً إلى أن الحوار المباشر أرجع تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، والتحكيم الدولي أرجع طابا لمصر من الإسرائيليين و”نحن لا نطلب أكثر من ذلك”حسب غندور.

 

الكلمة للقانون لا السياسة

وزير العدل الأسبق مولانا محمد بشارة دوسة قال لـ(الصيحة) إن أي مواطن سوداني يتمنى عودة حلايب، ولكن الفيصل في النهاية هو القانون. والسودان ظل يقود جهوداً كبيرة في هذا الصدد من ضمنها الذهاب للتحكيم الذي يرفضه المصريون، ولكن سياسة الأمر الواقع لا تملكهم الحق حسب دوسة لأن القضية قانونية والجانب السياسي فيها قليل وبالتالي الآراء السياسية فيها تقديرية.

 

متعودة دائماً

ورغم أحقية السودان وحججه القانونية منذ العام ١٨٩٩م، وبعد اتفاقية (وفاق) التي أبرمها اللورد كرومر وبطرس غالي وما شابها من قصور التي قسمت القبائل الحدودية البشاريين والعبابدة.. الخ، إلا أنه سرعان ما تراجع الجانب المصري المحكوم أصلاً بالباب العالي التركي بواسطة وزير الداخلية مصطفى فهمي بمباركة مجلس الشعب المصري، وأعاد الأمور إلى نصابها بسيادة السودان على الأراضي جنوب خط الطول ٢٤ درجة، بالتالي عودة المثلث لسيادة السودان.

 

لماذا طابا وليس حلايب؟

الشاهد أن مصر ترفض التحكيم الدولي لضعف حججها القانونية، كما برّر دكتور نصر الدين واستنادها لاتفاقية وفاق، ووفاق هذه ليست اتفاقية دولية، لأن مصر نفسها كانت مستعمرة، ولكن احتلال مصر للمثلث منذ العام ١٩٩٥م، بعد حادثة محاولة اغتيال حسني مبارك (رغم وجود قوات سودانية داخلها لا يعطيها الحق في ملكية المثلث. وكذلك محاولاتها لتمصير سكانها لن يشفع لها، حيث أن المثلث ملك للسودان بحكم الخرائط العالمية، ولكن مصر تحاول السيطرة عليه والسودان يجدد شكواه بصورة سنوية في مضابط الأمم المتحدة، رغم أنها فاوضت إسرائيل في طابا التي أعادها التحكيم الدولي في لوزان. والمدهش في الأمر، أن الخريطة التي أثبتت حق مصر في طابا خريطة سودانية أخذها ممثل مصر لبيب يوحنا، من دار الوثائق السودانيه. وتظهر حلايب فيها سودانية.

 

ولو بعد حين

أحمد عيسى، نائب دائرة حلايب، أكد في حديثه للصيحة أن استمرار مصر في رفض التحكيم الدولي لن يستمر طويلاً رغم محاولاتها إدخال السودان في أزمات ومحاولة استغلال أوضاع معينة، وعبر عن رفضهم اعتبار حلايب (منطقة تكامل)، وقال (الأرض حقتنا حانتكامل على شنو؟)، وبين أن المصريين قاموا بتعدين منجنيز أبورماد، ووصف استثمار الشركة العالمية في أرض متنازَع عليها بغير القانوني، وقال إن الشركة نفسها ستتراجع.

 

وعن وضع ملف حلايب داخل البرلمان، قال إن لديهم لجنة مختصة هي لجنة العلاقات الخارجية تمد الجهات المعنية بأي معلومات تحتاجها في هذا الصدد.

 

لف ودوران

مفوضية الحدود ووزارة النفط والغاز، حذّرتا الشركات من العمل في المربعات داخل الأراضي السودانية بالمثلث، وهدد رئيس مفوضية الحدود دكتور معاذ محمد تنقو عبر (الصيحة) أي شركة تشرع في التنقيب في المناطق السودانية وفقاً للعطاءات التي فتحتها الحكومة المصرية، ستعرض نفسها للغرامة المالية الضخمة، وبين أن شكوى السودان التي أودعها مجلس الأمن منذ عدة سنوات تم تجديدها في يناير الماضي، وأنها تجدد سنوياً، مبيناً أن كل الخرط والمستندات تثبت أحقية السودان في حلايب وشلاتين.

 

قلت لدكتور معاذ: (مصر تعمّر وأنتم تحتجون وتهددون!هل هذا كافٍ لاسترجاع حلايب برأيكم؟) فأجاب: أنا حذّرت الشركات، والخارجية حذّرت الدول، وهذا كافٍ في الوقت الحالي، نحن نتعامل بالقانون، وكذلك نتفاوض مع مصر، والتفاوض في حد ذاته قانون، وسنظل نحتج إلى أن تعود حلايب ولن نستعمل القوة، لأن القوة ستفضي إلى الحرب وهذا ما لا نريده).

 

سألت محدثي من نيويورك عبر الهاتف: (هل هناك سوابق أفلح فيها الاحتجاج في إعادة أرض مسلوبة؟ فقال هناك سوابق كثيرة، وحتى لو لم تكن هناك سابقة فسنخلق سابقة؟ فقلت له ما مصدر ثقتكم في عودة حلايب ؟ فأجاب:(القانون).

 

حل سياسي

المحلل السياسي، الدكتور عبد الرحمن أبو خريس، من المركز الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية، قال إن التفاوض والحل السياسي هو أنجع الحلول لإعادة حلايب، ويضرب مثلاً بـ(طابا) المصرية التي احتلتها إسرائيل عسكرياً واستعادتها مصر بالتفاوض، هنالك سوابق كثيرة في مناطق متنازع عليها بين الكويت والعراق والسعودية تم حلها سياسياً.

 

بالنسبة لحلايب، فمصر ترفض التحكيم، لأن الراجح في الأمر يؤكد أحقية السودان، كما أن كلا الدولتين لا ترغبان في المواجهة العسكرية ، مصر عندها حلفاء أقوياء ، أما السودان عليه استخدام نفوذه في المنطقة العربية، ومصر تحتاج للسودان في سد النهضة على الأقل، إذا لم يسترجع حلايب مرة واحدة، فلنتدرج في الحل ومنع المصريين من التنقيب والشركات من الاستثمار.

 

تقرير : هويدا حمزة
( صحيفة الصيحة ) .

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى