تحقيقات وتقارير

الدواء.. السير في طريق مسدود

خبر انعدام الأدوية، الذي ورد بإحدى صحف الخرطوم الصادرة أمس، والذي قالت إنه وصل إلى 22 صنفاً منها 7 أدوية منقذة للحياة، علّق عليه صيادلة بأن المشكلة أكبر من ذلك بكثير.

 

ويبدو أن سوق الدواء الذي يتصف بالصراعات القديمة المتجددة بين المؤسسات ذات العلاقة بالأدوية منها صراعات بين الهيئة العامة للإمدادات الطبية ووزارة الصحة بولاية الخرطوم من جانب، وبين المجلس القومي للأدوية والسموم والأخيرة من جانب آخر تطورت إلى مناحٍ متأخرة كثيراً، وطفح الكيل عندما سجلت مؤسسة حكومية الرقم الأول بالخروج ضمن الحراك الكائن بالشارع، وخرج العاملون بصندوق الدواء الدائرى بوزارة الصحة ولاية الخرطوم في وقفات احتجاجية بسبب تردي الأوضاع داخل المؤسسة الدوائية، حملوا لافتات تُطالب بتحسين أوضاعهم وحرمانهم من حقوقهم.

 

كل ذلك يعكس ما هو حادث في المؤسسات الدوائية مضافاً إلى المشكلة الرئيسة، وهي عدم توفر النقد الأجنبي، ويبدو أن الأوضاع تزداد تردياً في ظل عدم وجود معالجات في الواقع الصحي بصفة عامة، وسوق الدواء بصفة خاصة، والذي عكسه وزير الصحة الأسبق، محمد أبوزيد مصطفى، عندما صرح في البرلمان بأن هناك مديونية للإمدادات الطبية بلغت (34) مليون يورو كان سببها أن الإمدادات قامت بشراء أدوية بالدفع المؤجل بحساب 30 جنيهاً للدولار وعند التسديد طلب منها أن تسدد بقيمة 70 جنيهاً للدولار، وحدث الفرق الماثل، وكانت مطالبة الوزير حينها بأن الإمدادات الطبية تحتاج إلى توفير 19 مليون يورو تمثل فجوة في ميزانية الإمدادات الطبية. ويبدو أن أبوزيد بهذه التصريحات لحق بوزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور حسب صيادلة تحدثوا لـ(الصيحة)، كما كان الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك أكد فى وقت سابق أن الدواء تسبب في إقالة 4 وزراء.

 

الصف الرابع

أبو زيد يحذر في البرلمان، من حدوث فجوة في المخزون الاستراتيجي للدواء، وأن يسجل الدواء الرقم 4 من ضمن الصفوف التي وقفت كتحديات للدولة، منها صف الدقيق، وصف النقود، وصف الوقود.

غير أن الماثل أن الدواء في الطريق إلى أن يأخذ موقعه كصف رابع، وهذه التحديات كانت هي البنود الأساسية التي حاول رئيس مجلس الوزراء السابق معتز موسى أن يكبح جماحها، ولكن يبدو أن الحكومة لم تجد حلاً جذرياً لمشكلة الدواء، بل تراجعت عن خطوة خطاها معتز مؤسى، عندما حدد قيمة محددة لدولار الدواء بالاتفاق مع شعبة مستوردي الأدوية على أن تثبت أسعار الدواء، غير أن وزارة الصحة تراجعت عنها.

 

تأثير الإعفاءات

فيما قلل عدد من الصيادلة من انعكاس الإعفاء الذي طال مدير الإمدادات الطبية، د. جمال خلف الله وإيقاف الأمين العام لمجلس الأدوية والسموم، د. زين العابدين الفحل عن عمله وتأثيره على سوق الدواء وأكدوا أن مشكلة الإمدادات الطبية كانت نتيجة انهيار موارد لم تستطع الإدارة توجيهها الاتجاه الصحيح، بل وجهت الموارد إلى تشييد مبانٍ وشراء عربات، فيما قارن مدير الإمدادات الأسبق د. بابكر عبد السلام بين الوضع الراهن والعام 2017 التي كان محدداً للعلاج المجاني فيها 130 مليون دولار، وكان مخصصاً لها بند واحد للعلاج المجاني هي الحوادث والطوارئ، إلا أنه بعد كل الإضافات في بنود العلاج المجاني لا يوجد نوع من الرضا من قبل المواطن.

 

وحسب د. بابكر، فإن وضع الدواء أسوأ، إذ أنه لا يتوفر أحد الأدوية المنقذة للحياة المستعملة في كل العمليات الجراحية، وقال إن الطبيب لا يستطيع إجراء عملية حتى إذا لم تتوفر “جونتيات” خلافاً لما هو حادث من ندرة في أدوية التخدير التي تستخدم في العمليات مثل الكثير من الأدوية المنقذة للحياة المنعدمة.

 

ووصف بابكر الوضع بالمأساوي، واعتبر إقالة مدير الإمدادات الطبية إجراءً إيجابياً في مصلحة الدواء مستهجناً حديثه عن وجود وفرة دوائية بنسبة 97% في وقت لا توجد فيه وفرة في الواقع.

 

أزمة سياسات

وشُخّصت الأزمة في الدواء بأنها أزمة سياسات لا علاقة لها بالإعفاءات الأخيرة حسب خبير صيدلي رفض الإفصاح عن هويته، ونوه إلى أن الحكومة طامحة لصنع واقع جديد بالإعفاءات المتكررة، وتنبأ بعدم نجاح تلك السياسات في ظل غض النظر عن أسباب الأزمة الواضحة للعيان، وهي عدم توفر النقد الأجنبي، أذ انه حتى الأدوية المُصنّعة محلياً تحتاج إلى مدخلات تأتي من الخارج، واعتبر الإقالات هروباً من المشكلة الحقيقية، وهي وفرة العملة بأسعار مناسبة، وقال إن الغرض من الإقالات تصفية حسابات.

 

وقال إن الدواء تسبب في خروج أول مؤسسة حكومية، هي صندوق الدواء الدائري ضمن الحراك الكائن بالشارع السوداني، وأكد مطالبة العاملين بالصندوق بحل الإدارة، وشدد الخبير على أن الحكومة تسيير في طريق مسدود.

 

تقرير : إبتسام حسن
(صحيفة الصيحة) .

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى