تحقيقات وتقارير

المخابز المصرية في السودان.. ما وراء الحدث

 

لعل الرواج الكبير في وسائط التواصل الاجتماعي عبر النت حول نبأ قيام مصر بإقامة مخابز في السودان بواسطة الجيش المصري، ربما يجيء من عدة زوايا أهمها أنه قبل أيام قليلة من هذا الحدث احتج السودان على منح مصر تصديقات تنقيب النفط والغاز في منطقة حلايب حيث اعترض وزير الدولة بوزارة النفط والغاز السودانية سعد الدين حسين البشرى على ذلك الإجراء.

واعتبر البشرى طرح العطاءات “تدخلاً مباشراً” في صلاحيات وزارته بحسب ما جاء في وكالة السودان للأنباء، كما استدعت الخارجية السودانية، سفير مصر لدى السودان، السفير حسام عيسى، كما أصدرت بياناً أشارت فيه إلى أن إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية لا تترتب عليه أي حقوق لمصر بمثلث حلايب، وأنها تحذر الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من التقدم بأي عطاءات في المنطقة المذكورة”.

وأضاف البيان قائلاً: “الحكومة السودانية تطالب حكومات الدول ذات الصلة باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع شركاتها من الإقدام على أي خطوات غير قانونية”، لهذا كانت ظلال هذا التصعيد في العلاقات بين البلدين حاضرة ولم تزل أصداؤها تتردد حين تفاجأ الجميع بنبأ قيام مخابز مصرية في السودان تحت رعاية مباشرة من الجيش المصري، وهو ما اعتبره البعض محاولة مصرية ذكية بصب قليل من الماء على غضب السودان تجاه الحدث، سيما أن الرأي العام السوداني استنكر خطوة مصر الرامية لتقنين احتلالها لمنطقة حلايب التي وضعت يدها عليها منذ مطلع التسعينيات، سيما أن مصر تعلم الأزمة المزمنة التي تواجه السودان في مجال الخبز ومعاناة قطاعات كبيرة من الشعب السودان من جرائها، بيد أن الكاتب طه النعمان ذكر في مقال له أمس الأربعاء أنه اتصل بأحد أصدقائه القريبين من هذا الملف، حيث أكد له أن موضوع المخابز برز قبل ثلاثة أشهر إبان اشتداد أزمة الخبز وبدأ بمبادرة من المؤسسة العسكرية السودانية التي شكلت وفداً من خبراء أغذية وزراعيين وعسكريين سودانيين لزيارة القاهرة للتباحث حول كيفية الاستعانة بالخبرة المصرية في مجال صناعة الخبز، ونفى محدثه أن يكون هناك أي حديث جرى حول قيام الجيش المصري بإنتاج مباشر للخبز في السودان إنما فقط نقل الخبرة على أن تقوم المؤسسة الاقتصادية العسكرية السودانية بتطبيقها على أرض الواقع).

غير أن السفير المصري في الخرطوم حسام عيسى أشار بحسب صحيفة (الإنتباهة) إلى إن الهيئة الهندسية المصرية شرعت في بناء مخابز ووحدات كهربائية قبل شهر، مشيراً إلى أن الخطوة جاءت بطلب من وزارة الدفاع السودانية، كما نفى طرح وزارة البترول المصرية لأي عطاء للتنقيب عن النفط في منطقة حلابيب، في حين أن الأنباء كانت قد أشارت بوضوح إلى أن شركة جنوب الوادي القابضة للبترول، المملوكة للدولة المصرية أعلنت في 10 مارس الماضي عن مزاد عالمي للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في 10 قطاعات بالبحر الأحمر، مشيرة إلى أن “آخر موعد لاستلام العروض هو أول أغسطس 2019”. وذكرت مفوضية الحدود السودانية، أن “مصر طرحت 4 مربعات هي “7 و8 و9 و10″، على البحر الأحمر، للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن للاستكشاف والاستغلال، في عطاء عالمي للتنقيب عن النفط والغاز وفق خارطة مرفقة، مع الطرح ، لكن فيما يبدو أن مصر تراجعت عن الخطوة بهذا النفي الدبلوماسي وإعلانها على لسان سفيرها في السودان أن صفحة الخلاف بين البلدين قد انطوت، وأن تشييد مصر مخابز في الخرطوم سيما في تلك الظروف التي تمر بها البلاد من شأنها أن تضع الخلاف الطارئ بين البلدين في ثلاجة مؤقتاً على الأقل.

الحماس المصري

ربما يتساءل الكثير من المحللين والمراقبين عن سرعة استجابة مصر لاقتراح السودان تشييدها مخابز في السودان، في الوقت الذي تقبع فيه العديد من المشروعات والاتفاقات الخاصة بما يُعرف بالتكامل بين البلدين في طي النسيان، لكن بالطبع فإن الوقفة لا ترتبط فقط بتوقيت المشروع المصري المتزامن مع تطورات الطقس السياسي في السودان، لكن لعلها في مضمون المشروع ذاته باعتبار أن مصر الرسمية منذ عهد الرئيس عبد الناصر تستهدف دائماً التقارب الوجداني مع الشعب السوداني وتشكيل الوعي الجمعي حيث حرصت على نشر المدارس المصرية في السودان وجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وفتحت أذرعها للطلاب السودانيين للدراسة في مصر، وأنشأت إذاعة ركن السودان بالقاهرة التي بالرغم من أنها تقدم أغنيات سودانية وإستكشات درامية محدودة ، لكنها لم تكن تعكس الثقافة السودانية والفكر السوداني بالشكل المطلوب والتاريخ النضالي السوداني عبر التاريخ والنهضات العلمية، فهي لم تخرج من كونها محاولة للتسكين النفسي السوداني في القوقعة المصرية الواسعة، ولهذا فإن المخابز المصرية في السودان وإن جاءت بدعوة سودانية، لكنها تتناغم مع إستراتيجية الإخوة في شمال الوادي، التي تهدف دائماً للتأكيد لشقيقها في الجنوب أنها الحاضن الأساس والحنون والذراع القوي الحامي له عبر كل الأزمات، وبالتالي فهو يحتاج دوماً إلى أن يلعب هذا الدور الساند تجاه بلد تسلل منها قسراً من الخارطة منذ منتصف الخمسينيات .

قراءة أحمد طه صديق

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى