تحقيقات وتقارير

(الوطني)…هل يركب (موجة) الاحتجاجات؟

جاء في الأخبار، أن هيئة شورى المؤتمر الوطني دعت الحكومة إلى رفع حالة الطوارئ، وترحمت على ضحايا الاحتجاجات، واستعجلت فتح الجامعات… حدث كل ذلك في دفعة واحدة… وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار الموقف الجديد للمؤتمر الوطني من حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ الثاني والعشرين من فبراير الماضي، يدرك المراقب السياسي حقيقة واحدة وهي أن هذا أول موقف يخالف فيه المؤتمر الوطني موقف حكومته منذ ثلاثين عاماً ظل خلالها مهيمناً على مؤسسات وأجهزة الدولة، هذا الموقف الجديد للمؤتمر الوطني، والذي يخالف النظام سواءً أكان قبل ما يسمى بـ “فك الارتباط” أو بعده، يفرض سؤالاً ملحاً: ما الذي يرمي إليه المؤتمر الوطني من خلال مطالبته برفع حالة الطوارئ؟…
الإجابة عن السؤال أعلاه تستدعي ثلاثة أسئلة فرعية يمكن أن نطرحها على النحو التالي:

أولاً: هل أراد المؤتمر الوطني من خلال مطالبته برفع الطوارئ أن يؤكد للمتشككين أن عملية فك ارتباطه بالدولة حقيقة لا جدال فيها ؟ أو بمعنى آخر هل أراد أن يعزز مفهوم فك الارتباط ويرسخه أكثر في الأذهان؟
ثانياً: هل أراد المؤتمر الوطني أن يحرج الرئيس البشير، أو أن يمارس بعض الضغوط على النظام؟
ثالثاً: هل أراد المؤتمر الوطني بتلك الدعوة أن يركب موجة الاحتجاجات مثله مثل بقية القوى الانتهازية التي تريد اختطاف الثورة الشبابية قبل دعمها بما تحتاج؟

تفكيك الرسالة

إذا أردنا تفكيك رسالة المؤتمر الوطني التي أطلقها من منصة جلسات هيئة شوراه التي انعقدت السبت الماضي ووجهها تلقاء قصر الرئاسة، والتي طالب فيها بإنهاء حالة الطوارئ وفتح الجامعات، لابد أن نضع ثلاثة سيناريوهات، وهذا يستدعي فرضيات ثلاث ظلت حاضرة في أذهان كثير من المحللين السياسيين، وهي فرضيات مرتبطة بإعلان فك ارتباط المؤتمر الوطني بالدولة. الفرضية الأولى تسمح بطرح السؤال :هل عملية الفطام هذه حقيقية؟ بينما الثانية تستدعي طرح السؤال: هل هي مسرحية جديدة على شاكلة اذهب أنت للقصر رئيساً، وسأذهب أنا للسجن حبيساً؟ أما الثالثة تطرح السؤال: هل المؤتمر الوطني أصبح عبئاً على الرئيس وعلى الحكومة، وأراد البشير التخلص منه؟… وللإجابة عن الأسئلة المثارة نستعرض بعض السيناريوهات المحتملة التي تكمن خلف مطالبة المؤتمر الوطني برفع حالة الطوارئ وفتح الجامعات، وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول

إذا افترضنا جدلاً أن المؤتمر الوطني أصبح عبئاً ثقيلاً على الرئيس البشير، وأراد الأخير أن يفك ارتباطه به، وليريه حجمه الحقيقي بدون الالتصاق بظهر الدولة، إذا افترضنا ذلك فسيصبح “فك الإرتباط” حقيقة، وهذا يُحتم علينا أن نقرأ رسالة المؤتمر الوطني التي طالب فيها برفع حالة الطوارئ وفتح الجامعات، على أنها محاولة للضغط على الرئيس البشير، وفي ذلك أيضاً رسالة للحكومة بأن حزبها القديم سيضم صوته إلى صوت القوى السياسية التي تطالب برفع حالة الطوارئ، وأن الداعم الأساس الآن له رأي مختلف عن السلطة، وهو إجراء إذا ما حدث ـ أي رفع الطوارئ ـ سيُمكن الشباب المحتجين من الاستمرار في ثورتهم دون خوف من حالة الطوارئ، كما سيحمي الإجراء المتظاهرين من محاكم الطوارئ… إذن ووفقاً لهذا السيناريو أن المؤتمر الوطني يريد إحراج الرئيس البشير، وأن ما صدر عنه يُعد رسالة تحمل أوجهاً كثيرة، وأن هذه خطوة قد تفتح الطريق إلى مواجهة مع السلطة قد تتطور إلى النزول إلى الشارع مع المحتجين، خاصة وأن هذه الخطوة بدأت بالفعل من قبل كثير من منسوبي المؤتمر الوطني وأبنائهم وبناتهم.

السيناريو الثاني

ثمة معطيات كثيرة تحمل كثيراً من المحللين والمهتمين بالشأن السياسي السوداني إلى الاعتقاد بأن ما حدث من فك ارتباط بين الدولة والمؤتمر الوطني، مجرد تمثيلية سياسية تُماثل مسرحية (اذهب للقصر رئيساً، وسأذهب للسجن حبيساً)، والتي كانت اتفاقاً في الخفاء بين د. حسن الترابي والرئيس البشير عقب انقلاب 89، فإذا افترضنا أن ذلك صحيحاً، فهذا يعني أن مطالبة المؤتمر الوطني برفع حالة الطوارئ وفتح الجامعات إنما قُصد منها تعزيز مفهوم فك الارتباط لدى أذهان الناس وترسيخ هذا الأمر في مخيلاتهم حتى يُصدق الرأي العام “مسرحية” فك الارتباط هذه.

السيناريو الثالث

السيناريو الثالث، وهو أقرب للأول إلا أن الفرق يكمن في أن المؤتمر الوطني هو من اختار فك الارتباط وليس الرئيس، وفي هذه الحالة يمكن أن نقرأ مطالبة المؤتمر الوطني برفع حالة الطوارئ وفتح الجامعات على نحو مختلف عما جاء في السيناريو الأول، وهذا يعني أن المؤتمر الوطني أراد من خلال مطالبته برفع الطوارئ أن يركب هو الآخر موجة الاحتجاجات، ويُعد نفسه لاختطاف ثورة التغيير القادمة ليكون له القدح المعلى فيها، ويهيء نفسه للوضع القادم، ليكون جزءاً من التغيير، وهو أمر يتسق حالياً مع تخطيط وتفكير “الإسلاميين” في هذه المرحلة، وهو ما عبر عنه القيادي بالمؤتمر الشعبي ناجي عبدالله بمسجد الجامعة، الجمعة الماضية، حين دعا الإسلاميين إلى قيادة التغيير القادم… كما يعزز هذه الفرضية التحركات التي يقودها المؤتمر الوطني باتجاه تغيير جلده وعباءته واسمه ليواكب المرحلة المقبلة، إلا أن كل الدلالات والمعطيات تشير إلى أن هذا المسعى سيكون محفوفاً بكثير من الصعاب والمتاريس التي تغذيها المرارات وحالات الاحتقان السائدة في الشارع السوداني تجاه هذا الحزب الذي حكم البلاد ثلاثين عاماً، وله من الممارسات السياسية التي ستكون عصية التجاوز.

تحليل : أحمد يوسف التاي

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى