تحقيقات وتقارير

التعدين بنهر النيل.. الطوارئ وتعقيدات الموقف..

انعدام الوقود والسيولة.. التحدي ما زال قائماً!

انخفاض إنتاج الذهب بنسبة تفوق الـ(60%) لماذا؟

(700) جنيه ثمن برميل الماء في بعض المناطق!!

محلية أبوحمد: تضرّرنا من الطوارئ ولكن!

 

 

أكثر من (750) ألفاً من المشتغلين بالتعدين في مناطقه المختلفة بمحلية أبو حمد في ولاية نهر النيل، يشتكون من أوضاع صحية غاية الخطورة رغم المحاولات والمساعي التي تقوم بها حكومة ولاية نهر النيل في توفير ما أمكن من العناية الصحية لهم.

 

ويمثل الإنتاج الوارد من هذه المناطق أكثر من (60%) من الإنتاج القومي الذي يرفد الخزينة العامة بالموارد ويشكل ضمانات لتوفير مواردها من العملات الصعبة، غير أنه لا يجد الاهتمام الكافي الذي يضاهي تلك الموارد الضخمة التي يوفرها للبلاد، حيث يعاني من عدم وجود المرافق الصحية الكافية دون أن يجد الاهتمام الأمثل بالرغم من الحديث المتكرر عن المخاطر الصحية والبيئية التي يعاني منها العاملون هناك.

 

لكن، وبالرغم من ذلك واستمرار العاملين هناك في نشاطهم التعديني عملاً بالمثل القائل (الجابرك علي المر شنو)، إلا أنهم يجابهون مشكلة انعدام الوقود الذي يمثل عصب حياتهم، ويشكل غيابه وعدم توفره العدو الأول وينعكس على عائدات الدولة من الذهب الذي يسد ثغرة كبيرة جداً في الخزينة العامة للدولة.

 

تتعدد المشكلات في مناطق التعدين ويعاني (الدهابة) كثيراً من أجل الحصول على جرامات من الذهب تمكنهم من توفير احتياجات أسرهم، بجانب تأمين أوضاعهم من نوائب الدهر.

 

(الصيحة) كانت هناك، وجلست إلى عدد من المعدنين ولامست مشاكلهم عن قرب خاصة بعد أن جأروا بالشكوى من عدم وجود الوقود الذي يمثل المحرك لكل شيء هناك، ويدفعون مقابله مبالغ مضاعفة عن سعره الرسمي الذي حددته الحكومة.

 

ومن خلال هذه المساحة نعرض المشكلة من جوانبها المختلفة، علَها تجد الحل الناجع وتسهم في تطوير مناطق التعدين مثلما نالت مناطق البترول حظها من التنمية.

 

(700) جنيه لبرميل الماء

لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن أسعار الخدمات هناك يمكن أن تصل إلى هذا الوضع، حيث يبلغ سعر برميل الماء في بعض المناطق (700) جنيه، وليست المشكلة هنا وإنما تكمن في ندرة الكاش التي بدأت تضرب مناطق التعدين.

 

وقال ممثل غرفة “الطواحين” بالعبيدية أبو حسن عثمان لـ(الصيحة): المشكلة ليست في الأسعار المرتفعة جداً لكنها تكمن في انعدام السيولة، وهو الامر الذي يمثل بالنسبة لنا المشكلة الأكبر.

 

لكن هناك مناطق أفضل من العبيدية من ناحية أسعار المياه، فمثلاً يتوفر برميل الماء في طواحين أبو حمد بحوالي (500) جنيهن وتقل في بعض الأحيان.

 

وقال أحد العاملين هناك لـ(الصيحة): نعمل هنا منذ فترة طويلة جداً قبل وصول الشركات إلى هذه المناطق، ولدينا الطواحين التقليدية التي تحتاج إلى الوقود والماء بصورة أكبر، بجانب الأحواض التي يتم عبرها استخلاص الذهب. وأضاف: أصبحت الأسعار عالية جداً مقارنة بالفترة الماضية مع الأخذ في الاعتبار انعدام السيولة وعدم توفرها بالصورة المطلوبة.

 

وأوضح أنها أصبحت تمثل مشكلة جديدة إضافة للمعاناة الموجودة أصلاً، وقال: أصبحت مُعتمِداً بشكل أساسي على (الكرتة) التي أقوم بتجميعها وبيعها لأصحاب الشركات، وهي باتت تمثل بالنسبة لي مصدراً مهماً يمكنني من توفير احتياجاتي والعمال الذين يعملون معي.

 

(25) ألف جنيه قيمة إيصال ليوم واحد

ورأى صاحب أحد الطواحين يدعى مختار أبوسماح خلال حديثه للصحيفة، أن المشكلة تكمن في وجود إيصال بقيمة ٢٥ ألف جنيه للتصديق للوقود لكن مدته يوم واحد فقط، وإذا لم تتمكن من الحصول على ما تريد من وقود في ذات اليوم يفقد الإيصال قيمته، وأوضح أنهم كانوا يقومون بشراء برميل الجازولين بـ(7) آلاف جنيه، لكن بعد إعلان الطوارئ أصبح الأمر صعباً، حيث بات الجميع يتخوف من العقوبات الصادرة بموجب هذا القانون.

 

وأضاف: أصبحنا في معاناة مستمرة مع عدم توفر الوقود وانسيابه بالصورة التي تمكننا من القيام بمهامنا.

 

وبجرأة قال أبو سماحك الطوارء لم تسهم حتى الآن في إصلاح وضع الوقود، وأضاف: كان عشمنا كبيراً فيها لكن حتى الآن لم نشعر بتحسن في الوضع، بل تراجع.

 

وتابع: كنا نشتري وقودنا بطرقنا الخاصة، لكن أوقف التعامل من قبل المتعاملين فيه خوفاً على أنفسهم، وأشار إلى أن العاملين في المطاحن يعولون أسراً مختلفة تعيش على ما يوفرونه لهم، وتوقف العمل تسبب في إحداث خلل ومشاكل كبيرة لهم.

 

الاستنجاد برئيس الجمهورية

واستنجد أحد العاملين في التعدين، برئيس الجمهورية للتدخل لمعالجة الوضع الذي وصفه بالصعب، وقال: أكثر من ٥٠% من إنتاج البلاد يأتي من هذه المناطق، وأضاف: ندعو رئيس الجمهورية للتدخل لإنقاذ الوضع، فنحن لا علاقة لنا بالسياسة، وإنما نعمل في هذه المهنة ولا بديل لنا سواها.

 

(غشّونا قدام الكاميرات)

لم يُخف صاحب إحدى الطواحين يسمى عبد الله العبيد غضبه على المسؤولين خاصة في ظل الوضع الصحي الذي وصفه بالمتردي، وأشار إلى أنهم غير حريصين على تقديم أي خدمات بالنسبة لهم، رغم مساهمتهم الكبيرة في الاقتصاد، وقال: في العام (2016م) جاء وفد حكومي من المركز يحمل معه (كمامات وأحذية يستخدمها المعدنيون)، وبعض المعينات الصحية، وقاموا أمام الكاميرات بتسليم حوالي (5) أشخاص فقط، وغادروا بعد أن أقنعونا بأنه سيتم تسجيل الأسماء لصرف هذه المعينات، وأضاف: هذا طبعاً لم يحدث حتى الآن.

 

وتابع: ظللنا نبحث عنها في السوق الأسود ولم نجدها لقناعتنا بالمخاطر الصحية التي نتعرض لها، وقال لكنهم (غشونا قدام الكاميرات فقط).

 

تضررنا من الطوارئ!

لم يُخف المدير التنفيذي لمحلية أبو حمد بالإنابة، عثمان محمد عثمان، قلقه من مشكلة الوقود التي ضربت مناطق التعدين، وأقر بمشكلة عدم وجوده، وأضاف: نحن نشتكي من ذلك ونقر بها، لكن لدينا اجتماع يومي يشمل كافة الجهات ذات الصلة لمعالجة قضية الوقود باعتباره مهماً لمناطق التعدين ولنا.

 

وقال عثمان ل(الصيحة): لم تكن عندنا مشكلة من قبل حتى جاءت الطوارئ ونحن معها لكننا تضررنا، والآن معتمد المحلية ووالي الولاية يبحثون الحلول لمعالجة المشكلة، وأشار إلى أن المعدنين بادروا ووصلوا لاتفاق مع الشركة السودانية للتعدين على توفير الجاز على أن يتم بيع الذهب بأسعار معقولة.

 

وتوقع معالجة المشكلة خاصة في ظل موافقة المعدنين على شراء الجاز بالسعر التجاري، وأضاف: الآن مشكلتنا في الترحيل، فالمعدنون موافقون على الشراء بالسعر الذي تحدده الحكومة شريطة أن يتوفر، وبشّر بالسعي لإدخال الكهرباء لمناطق الطواحين، وقال: هناك الشركات وقعت اتفاقيات، ولدينا دراسة بعد إعلان أصحاب الطواحين جاهزيتهم للمساهمة، وهذا الأمر سيعالج الكثير من المشكلات التي تلي الوقود باعتباره أن جزءاً كبيراً منه يُستخدم في الطواحين والإنارة.

 

هكذا يُحارَب التهريب

المدير التنفيذي لاتحاد التعدين الأهلي بأبوحمد، تاج السر علي إبراهيم، أشار إلى أن عدد المعدنين في العام ٢٠١٣م كان أكثر من ٢٥٠ ألف معدن في أبوحمد وحدها، وأوضح أن هذا الرقم تضاعف إلى أكثر من ٥٠٠ ألف بعد دخول اللوادر التي ساهمت في زيادة عدد الآبار، خاصة وأنها أصبحت وسيلة لاستكشاف العروق، وأوضح أن متوسط الإنتاج اليومي في مناطق أبوحمد حوالي (180) كيلو جرام.

 

وقال إبراهيم خلال حديثه لـ(الصيحة): الآن الشغل انضبط بعد الطوارئ، لكن المشكلة تكمن في وجود فرق السعر بين بنك السودان المركزي وبورصة دبي، وأوضح أن وكيل بنك السودان يحدد السعر. وقال مشكلتنا مع بنك السودان نحن ندعو لعمل بورصة في أبوحمد بدلاً من الطريقة المتبعة الآن.

 

وتابع: لتقليل التهريب، لابد من رفع السعر حتى لو كان مبلغاً بسيطاً، وأشار إلى ظهور سعرين للذهب بسبب مشكلة انعدام السيولة وهذا له تأثيركبير جداً.

 

أبو حمد.. الخطر القادم

وقال مسؤول التعدين بمحلية أبوحمد، حاتم عبد الخالق لـ(الصيحة): المحلية تعتمد في إيراداتها على التعدين بشكل كبير، وأوضح أنه يمثل (97%) من عائدات المحلية، وإذا توقف العمل هناك بالطبع ستتأثر المحلية وإيراداتها، وأكد أن الحل يكمن في الجازولين التجاري بسعر (5000) جنيه للبرميل حتى يستمر العمل، لأن الكميات الواردة قليلة جداً مقارنة بحاجة المعدنين.

 

وأشار إلى أن الوقود يمثل أكبر تحدٍّ بالنسبة لنا، وإن لم تُعالج ستقل إيرادات المحلية، بجانب عدم توفر السيولة، وهو يقلل من التهريب بصورة كبيرة جداً.

 

نعم، هناك مشكلة والرقابة مستمرة

قال والي نهر النيل، الفريق ركن الطيب المصباح لـ(الصيحة)، نعم: كانت هناك مشكلة تجابه المعدنين فيما يلي الوقود، وأضاف: لكن الآن تم توفيره بالسعر التجاري بعد الاتفاق مع المعدنين، وأشار إلى تحديد سعره بمبلغ(5) آلاف جنيهن وأوضح أنه سيكون عبر محطات معينة، وقال: قمنا بمجهود كبير لمنع تهريب الوقود خلال الفترة الماضية، وذلك من خلال منع بيع الوقود خارج المحطات، وكشف عن وجود رقابة مستمرة لمنع تهريب الوقود وغيره من السلع التي تضر بالاقتصاد، وأعلن ضبط عدد من الشاحنات التي تهرب الوقود والدقيق، وتمت محاكمة المهربين وفقاً لقانون الطوارئ، وهذا الأمر ساهم في إيقاف التهريب بصورة كبيرة، وقطع بعدم التهاون في حسم كافة المظاهر التي من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني.

 

عودة الحصبة

يظل الوضع الصحي بمناطق التعدين من الخطورة بمكان على المعدنين والمتعاملين معهم من مواطني أبو حمد خاصة بعد أن اكتظت مناطق التعدين بالوافدين من دول أخرى وباتوا يشكلون خطراً صحياً جديداً على المواطنين.

 

وأعلنت وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية بولاية نهر النيل الدكتورة أماني عبد الرازق سليمان، خلال حديثها لـ(الصيحة) عن عودة الحصبة للولاية بعد أن اختفت تماماً في الفترة الماضية، وأشارت إلى أنها من الأمراض التي جاءت بواسطة الوافدين لمناطق التعدين، وكشفت عن جهود وزارتها للحد من انتشار الأمراض وسط المعدنين. وأشارت إلى وجود ما يربو على (750) آلاف معدن بمناطق التعدين، وأوضحت أن البيئة غير صالحةن وأعلنت عن التزام الشركة السودانية للموارد المعدنية بإنشاء مستشفى، وأوضحت أنها دفعت مبلغ (3) مليارات جنيه كبداية للعمل، وقالت إن وزارتها تقوم بإرسال العيادات الجوالة للوقوف على أوضاع المعدنين.

 

تقرير :رضا حسن باعو
( صحيفة الصيحة )

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى