تحقيقات وتقارير

المندوب الدائم.. المقعد (غير الدائم)

 

أشارت تسريبات صحفية لبروز اتجاه بالخارجية السودانية لتعيين رئيس الوزراء السابق معتز موسى مندوباً دائماً للسودان في الأمم المتحدة خلفاً للسفير عمر دهب الذي أنهى فترته الأسبوع الماضي، وفي حال اعتماد تعيين موسى العائد لتوه للخارجية حسبما جاء في صحيفة (مصادر) فسيحمل الرقم 6 في خانة المندوبين الدائمين للخرطوم في الأمم المتحدة منذ وصول الرئيس البشير للسلطة في العام 1989م.

أسماء ومواقع

هناك العديد من التحديات والمواقف التي واجهت شاغلي الموقع منذ السفير يعقوب عثمان أول مندوب للسودان لدى الأمم المتحدة، مروراً بمنصور خالد وجمال محمد أحمد وعمر بريدو، إلا أن تلك التحديات تضاعفت وازدادت تعقيداً منذ مجيء الإنقاذ عام 1989م حتى الآن، حيث واجهت الدبلوماسية السودانية العديد من التحديات المتصلة بالدفاع عن سياسات الحكومة ومواجهة تعقيدات دبلوماسية لا متناهية تم اختيار دبلوماسيين لها من العيار الثقيل لشغل الموقع تباين أداؤهم من لدن الفاتح عروة وصولاً لعمر دهب الذي ودع موقعه الأسبوع الماضي.
أكثر من مكث في هذا الموقع هو السفير الفاتح عروة، من عام 1989 حتى عام 2003م. وطبقاً لتقارير إعلامية فإن عروة دخل الدبلوماسية عن طريق التعيينات السياسية، إلا أنه لم يخذل من قام بوضعه في هذا المنصب، وهو ما جعل بقاءه طويلاً، فقد كان يعطي العاملين معه مساحةً واسعةً للتحرك، ويمتلك قدرةً على استيعاب ما يقولونه له.
تمكن عروة من مواجهة العديد من الأزمات التي واجهت السودان في تلك الفترة محاولاً الخروج بأقل الخسائر، لا سيما بعد أن صدر قرارٌ بفرض العقوبات الاقتصادية إثر حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، حيث قام بتحركات دبلوماسية موسعة، واستند على موافقة الدولتين (مصر وإثيوبيا) على رفع العقوبات، فرفع المجلس القرار حينما لم يجد مناصاً بعد موافقة الدول المعنية نفسها.

التغيير مهم

بعد ذلك لم تستعجل الحكومة كثيراً بابتعاث مندوب دائم، فمثَّل السودان لمدة عامين قائم بالأعمال هو عمر بشير، ليأتي بعده من الهند إلى نيويورك مباشرة السفير عبد الحليم عبد المحمود من عام 2006 حتى 2010، ليؤدي عبد المحمود أدواراً مهمة في مواجهة ضغوط دبلوماسية أبرزها القرار (1706) الذي أراد وضع السودان بأكمله تحت الوصايا، ليصدر بعد ذلك القرار (1769) الذي تشكلت بموجبه القوة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
المعلومة التي قد تكون خافية على البعض أن فترة عبد المحمود (4 سنوات) لم تشهد أي قرار ضد السودان، بخلاف التجديدات الروتينية التي يقوم بها مجلس الأمن.
ترسخت في ذلك الوقت المعارك الدبلوماسية والإعلامية الساخنة التي خاضها عبد المحمود ضد المحكمة الجنائية، ومندوب الولايات المتحدة جون بولتون.
يقول البعض إن عبد المحمود نجح خلال مدة خدمته في فتح كثير من الأبواب داخل أروقة الأمم المتحدة، ووسع من نطاق علاقات البعثة وارتباطاتها على نحو صعد به إلى رئاسة كتلة مجموعة (77) والصين ليكون أول سوداني يشغل مثل هذا المنصب. وفيما يشبه التقدير لجهوده واتصالاته، قامت لجنة التعاون بين دول الجنوب بالجمعية العامة للأمم المتحدة بالتعاون مع البنك الدولي بمنح الرجل جائزة تعاون دول الجنوب للعام 2009م.

رجل يكره الإعلام

في الفترة من أغسطس 2010 وحتى ديسمبر 2013 واصل السفير دفع الله الحاج علي رحلة المندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة، واتسم أداؤه بالهدوء والعمل بعيداً عن الإعلام. يقول مقربون منه إنه من المقتدرين والمتمكنين في العمل الدبلوماسي، دائم الاتصال بوزارة الخارجية ليطلعها على أي معلومات امتلكها، يتمتع بمؤسسية قوية في إدارته للبعثة، واجه قرارَيْن خلال فترة عمله: الأول يتعلق بتحويل تفويض القوات الأممية؛ أما الثاني فهو القرار الذي أثار (زوبعة) في الخرطوم وهو (2024).
ليأتي بعده ولفترة قصيرة لم تتجاوز الستة أشهر وكيل الخارجية الأسبق السفير رحمة الله محمد عثمان حيث تسربت أنباء عن إعفائه من منصبه وعودته إلى الخرطوم بعد تغيُّبه لأسباب غير موضوعية عن إحدى الجلسات الأمر الذي نفاه رحمة، ثم وقع الاختيار بعده على السفير بهاء الدين حنفي قادماً من برلين ومكث في هذا المنصب حوالي ستة أشهر ولم يطلق خلالها أيَّ تصريح للصحف، وفي سبتمبر 2015 تم تعيين السفير عمر دهب وهو من التكنوقراط العالمين بالأعراف الدبلوماسية، قادماً من سفارة السودان بموسكو حيث شهدت فترته تطبيع العلاقة بين السودان وموسكو، قبل أن ينهي مهمته في مارس 2019م.

تحديات ومتطلبات

المندوب الدائم هو أكبر منصب في وزارة الخارجية، ولا يقل بحسب دبلوماسيين عن منصب الوزير أو الوكيل، لذلك يتطلب خبرة في مجال العمل الدبلوماسي. ويرى مراقبون أن منصب المندوب الدائم للأمم المتحدة يحتاج إلى شخص محنك وملم بأكثر من لغة، وواعٍ ومدركٌ لقضايا السودان الخارجية وتعقيدات العمل في الأمم المتحدة مما يتطلب دبلوماسياً من العيار الثقيل.المحلل السياسي سيف الدين عثمان، يرى في حديث لـ(السوداني) أن التواصل الدبلوماسي والإعلامي والمبادرة يمثلان شفرة نجاح لأي دبلوماسي خاصة في أروقة الأمم المتحدة. ويلفت عثمان إلى أن بعض العوامل الشخصية في الدبلوماسي تعزز من فرص نجاحه كالقدرة على الانفتاح والتواصل مع رصفائه والحصول على القبول من المجتمع الدولي.
خلاصة القول إنْ تم تعيين معتز موسى لشغل الموقع الدبلوماسي الرفيع، فإنه سيواجه تحديات كبيرة ربما لا تقل خطورة عما واجهه من سبقه إن لم تكن أخطر، ويبقى أن أداء السفير يعين ويساعد في أحيان كثيرة بمحاولة إثناء بعض الدول عن مساندة قرار معين، إلا أنه في أحيان كثيرة تفوق القرارات قدرة السفراء، إلا أن فاعلية بعثة نيوريورك تعتمد بشكل كبير على قدرات وحنكة بعثة واشنطن التي تمثل مركز استشعار وإسناد متقدم.

تقرير : محمد عبد العزيز

الخرطوم (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى