أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

تفاصيل مبكية لوفاة ثمانية أطفال بامدرمان

عند سفح الجبل “الأسود” خيم الحزن على قرية الفتح 3 (أقصى شمال غرب ولاية الخرطوم)، حيث قضت قذيفة لمدفع ثقيل على ثمانية أطفال، ظنوها كنزا فكتبت آخر لحظاتهم في الحياة.

 

ومن عند الجبل المطل على بيوت القرية كحارس مهيب حملوها، حتى دخلوا بها غرفة بسيطة بأحد منازلهم؛ علها تجلب لهم بعض الدريهمات، لكنها حملت إليهم الموت دون أن تلامس آذانهم مرة أخرى نداءات تاجر “الخردة”.
ولقي ثمانية أطفال -أربعة منهم أشقاء لعائلتين- حتفهم بانفجار قنبلة في منطقة الفتح بمدينة أم درمان السبت الماضي، وسُمع الانفجار على بعد كيلومترين.
الغرفة التي دوى فيها انفجار القذيفة لم تحتمل جدرانها المشيدة من الطين قوة الشظايا فتهاوت بعض جوانبها، كما فتحت قوة الانفجار كوة كبيرة في جانب آخر، وما تبقى من الجدران لم يسلم من شظايا اخترقتها كما اخترقت أجساد الصغار، وعلى السقف والأرض ما زالت أجزاء صغيرة من الرفات عالقة.
ثلاثة أسرّة من الحديد كان يجلس عليها الأطفال، وهم يحاولون تفكيك جسم معدني بيضاوي الشكل في مؤخرته حلقة رفيعة من النحاس، تحولت بدورها إلى كومة من الخردة مليئة بالثقوب التي طالت حتى باب المنزل في الخارج.
كان نهار السبت قاسيا على أهل الفتح 3، وهم يوسدون ثمانية من فلذات أكبادهم مقبرة حديثة كحداثة المكان الذي انتقلوا إليه قبل سنوات، دون أن تمتد إليهم شبكات المياه والكهرباء.
حسن عبد الله آدم تبدو معاناته مضاعفة لفقدانه اثنين من أبنائه، فارس 12 سنة وياسين عشر سنوات، يقول للجزيرة نت إنه يعمل حمالا في السوق الشعبي بأم درمان مقابل ما بين مئتي وثلاثمئة جنيه يوميا (نحو 4.2 و6.3 دولارات”.
ويتابع باكيا إن مرافقين حاولوا منعه من رؤية ابنيه في المشرحة، لكنه أصر قائلا “لقد تركتهم نائمين.. أنا لا أراهم يلعبون إلا يوم الجمعة لأنني أعمل يوميا من الصباح وحتى المساء”.
ويرمي آدم باللائمة على تجار الخردة الذين يجوبون المنطقة صباح مساء بحثا عن بائعين، مما حفز الصبية على البحث بجنون عن الحديد والنحاس والألمنيوم في أنحاء الجبل الذي كان في السابق يستخدمه الجيش في التدريب على الرماية (دروة).
وعلى امتداد الطريق الدائري شمال أم درمان وحتى مخططات أحياء الفتح تتناثر مناطق عسكرية، حيث إن الجيش سبق السكان إلى هذه المناطق، لكن ما أفسد خلوته في تلك الأنحاء البعيدة التوسع المضطرد للعاصمة والهجرة الكثيفة إليها من بقية الولايات.
ومثل آدم تعاني ثريا خميس من حزن مضاعف، فقد حولت القذيفة ابنيها تامر وعطا المنان أبكر إلى أشلاء، وكانت أول الداخلين إلى غرفة الجحيم، بحسب ما ترويه للجزيرة نت.
تقول ثريا “عندما دخلت وجدت بعض الأطفال كومة لحم، لكن ابني تامر وآخر يدعى محمد حسن كانا حيين.. تحدثت معهم وسألت تامر عن أخيه فأشار إلى جسد ممزق تحت السرير وإلى يساره طفل اسمه نادر.. حملت تامر ومحمد وامتلأ ثوبي بالدم إلى المستشفى وليس على لساني سوى الشهادة”.
وتروي ثريا أنها وجدت فارس وياسين ميتين وهما متماسكين، وفي إحدى الأركان كان صبي يدعى عزت مستلقيا وهو مخضب بالدماء، وآخر يدعى مصطفى كان مكوّما على أحد الأسرّة.
أما زهرة عبد الرحمن صاحبت المنزل الذي شهد فصول المأساة، فقد كانت خارجه لحظة الحادث، وتقول والدموع تتسرب من عينيها إنها لم تتمكن من رؤية ابنها نادر (12 سنة) بعد أن منعها الجيران خشية انهيارها من شدة ما ألم بجسده الغض.
ووالد “نادر” محمد إسحاق -فشأنه شأن زوجته، فقد كان مسافرا للعمل في بورتسودان -لا يكاد يتمالك نفسه وهو يقول إنه لا يملك صورة لصغيره ليتذكره بها.
والدا طفلين من الضحايا في غرفة الموت (الجزيرة)
وأضاف أنه ما زال ينظف المكان من أشلاء الأطفال المتناثرة، وحتى يوم الأحد وجد قدما دفنتها الأتربة من شدة الانفجار، وزاد “هذا المنزل ملكي لكن لا اعتقد أنني أستطيع البقاء فيه بعد الآن”.
الخرطوم (كوش نيوز).

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى