تحقيقات وتقارير

خصخصة المؤسسات العامة.. مفاضلة بين الربح والخسارة

 في الأيام القليلة الماضية شغلت الساحة قضية إضراب عمال الميناء الجنوبي ببورتسودان في ولاية البحر الأحمر، على خلفية بيع الميناء لشركة فلبينية، الأمر الذي لفت الرأي العام حول خطورة هذه  الخطوة خاصة ما قد ينتج عنها من أضرار اقتصادية من دفع السودان رسم عبور صادراته ووارداته، بجانب تشريد العاملين بالميناء، وكانت قد نجحت النقابة في تهدئة العمال وفك الإضراب بعد الإذعان لعدة شروط قد تعود وتحتدم من جديد. وفي تطور لاحق لحسم القضية، وجه رئيس الجمهورية، عمر البشير، لدى مخاطبته حشداً للإدارات الأهلية والقيادات السياسية والشبابية والطلابية بشرق السودان، مساء أمس الأول، الجهات المختصة بمراجعة عقد الشركة الفلبينية التي وقعت اتفاقية مع الحكومة لتشغيل ميناء بورتسودان الجنوبي لمدة 20 عاماً، وإعادة النظر في هذه الاتفاقية حتى تكون منصفة لكل أهل السودان. يأتي ذلك، في وقت نفى فيه رئيس لجنة النقل والطرق والجسور محمد أحمد الشايب ما تم تداوله حول بيع الميناء الجنوبي، وأكد عقب دخول عدد من عمال الشحن والتفريغ ببورتسودان في إضراب عن العمل احتجاجاً على تسلم الشركة الفلبينية لمهام أعمالها بإدارة أجزاء من الميناء. مشدداً على أن الحكومة لا تملك حق التصرف بالبيع في الممتلكات العامة، وأن التفاوض لا يزال مستمراً مع الشركة لاستيعاب أكبر عدد من العاملين بالميناء. (مصادر) استطلعت البعض حول سياسة الخصخصة وعائدها المادي على الاقتصاد الكلي فإلى حصيلة ما خرجت به. 

 

سودانير نموذجاً

القضية التي تم تفجيرها في البرلمان في العام 2009 من قبل لجنة النقل والتي دعت فيها سودانير للكشف عن حقيقة بيع الخط، وفوجئت اللجنة بعدم الرد أو الاستجابة لأي من مناشداتها، الأمر الذي اضطر اللجنة لاستدعاء وزير النقل حينها والاستفسار حول تلك المعضلة، وتبنى البرلمان القضية وكون لجنة لتقصي الحقائق بالتنسيق مع الجهاز التنفيذي للدولة، وفي التاسع عشر من شهر سبتمبر سنة 2015م كشف وزير العدل الأسبق مولانا عوض الحسن النور عن حيثيات التحقيق في فقدان زمن الهبوط وجاء في التحقيق أنه بعد الاطلاع على توصيات لجنة التحقيق فقد الخطوط الجوية السودانية لحق زمن الهبوط والإقلاع بمطار هيثرو بلندن منذ العام 2007م.

معالجة الاختلالات

واعتبر الدكتور تاج السر مصطفى في دراسة أعدها حديثاً أن الخصخصة جزء أساسي في خطط الإصلاح الاقتصادي لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها السودان مثل كثير من الدول النامية، وترمي لتحقيق بعض أهداف الإصلاح الاقتصادي منها رفع العبء عن كاهل الحكومة وتحريك جمود الاقتصاد وإحداث تحول عملي من الاقتصاد الموجه الشمولي إلى الاقتصاد الحر، وتخفيف العبء على الموازنة العامة ومعالجة الفجوة التمويلية الناتجة عن تدهور العلاقات الاقتصادية مع بعض المؤسسات الإقليمية والعالمية، وتشجيع الاستثمار وحشد الموارد، وذكر تخوف نقابات العاملين في الحكومة من الخصخصة لأنها تخشى من تخفيض العاملين بتسريحهم فتزيد البطالة، كما تتخوف من أن الحرص على الربح يؤدي إلى تصاعد الأسعار في الأسواق.

(164) وحدة

وكشفت الدراسة التي أعدها د.تاج السر مصطفى أن المؤسسات التي أخضعت للخصخصة منذ بداية البرنامج وحتى 2017م قد بلغت (164) وحدة في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والاتصالات والسياحة والمصارف والطاقة والقطاع المتنوع، مفسراً أن الخصخصة أجريت في هذه الوحدات بأساليب متنوعة مثل البيع المباشر للقطاع الخاص أو مبادلة الديون بالأصول أو المشاركة مع الحكومة أو التحويل لشركات مساهمة عامة أو الإيجار أو التصفية أو إعادة التأهيل أو الأيلولة للعاملين أو الحكومات الولائية. وكشف أن هناك نحو (20) شركة لا تزال تحت إجراءات الخصخصة من بينها شركات قطاع السكر.

 أكثر فاعلية

ويرى الخبير الاقتصادي، مبارك عبدو صالح، أن الخصخصة لها إيجابيات يمكن الاستفادة منها، شملها في تحسين الأداء في الشركات المباعة وإدخال أدوات استثمار جديدة، بغرض تطوير السوق المالية وتشجيع دخول المستثمر الأجنبي من خلال الاستثمار في المؤسسات المحلية عن طريق مشاركة القطاع الخاص، والمساهمة في تمويل بعض نشاطات الدولة ونقل التكنولوجيا والتقنية وأساليب الإدارة الحديثة ورفع مستوى الأداء وإلغاء الاحتكار للوصول بحجم العمالة إلى الحجم الأمثل والتأثير على مستويات الأسهم وتحسين أسعار أسهم الشركات التي بيعت بحصيلة مبيعات الأصول وزيادة فرص الاستثمار المحلي. وزيادة إيرادات الحكومة من بيع الأصول التي كانت تصرف عليها وتوسيع قاعدة ملكية الأسهم خلال الاكتتاب وتنشيط دور القطاع الخاص وتخفيف الأعباء الإدارية وتكلفتها ووقف زيادتها مما يخفف عجز الموازنة والتحسن النوعي والكمي في أداء المؤسسات التي خصخصت دفع القطاع الخاص ليأخذ دوراً أكثر فاعلية.

سيطرة احتكارية 

وعدّ مبارك سلبيات الخصخصة في إمكانية سيطرة احتكارية محلية أو أجنبية على مقدرات إدخال هذه المؤسسات، مما يؤثر سلباً على المستهلك النهائي بإساءة استخدام الموارد في ظل سوق محلية محدودة وتنامي ظاهرة العطالة، وغلبة الدوافع الفردية على الدوافع الاجتماعية، وانخفاض دور المسؤولية الاجتماعية قد تؤدي الخصخصة إلى مشاكل أسوأ من عجز الموازنة وعدم إقبال القطاع الخاص على المشاريع الخاسرة، والقرار السياسي في الخصخصة وغياب خطة استراتيجية واضحة المعالم مرافقة مع خطة التغيير ومحدودية إمكانيات القطاع الخاص الإدارية والفنية والقيود على الاستثمار الخارجي.

أسوأ إجراء

ويرى الخبير الاقتصادي د.عبد الله الرمادي أن سياسة الخصخصة أسوأ إجراء يُتخذ في تاريخ الاقتصاد السوداني، خاصة وأن الدولة ليست لديها قطاع اقتصادي يتمتع بالمعرفة الإدارية والقدرة المالية، واستدل الرمادي بأن هنالك ما يزيد عن الـ(90%) من المؤسسات التي وئدت بالسودان، وعلل هذا الوأد بأنه ليس هناك قطاع خاص في وجود إصرار لتخصيص هذه المؤسسات، وكشف الرمادي أن ما تم في السودان هو تصفية للمؤسسات المنتجة وليس خصخصة، وعزا الوضع لسبب خفي غير مبرر لرمي وتصفية المؤسسات وتشريد العمالة، وذكر أن الدولة تخسر سنوياً تكلفة نقل نهري تقدر بـ(1.300.000.000) دولار نتيجة لبيع بواخر (سودان لاين) على أنها حديد خردة، وحدث أن جاءت محملة بالبضائع من أوروبا للسودان. وتساءل مستعجباً لماذا تم ذلك ومن وراءه؟ ولماذا يتم بيع أصول تلك المؤسسات على أساس أنها خردة؟

لجنة تقصٍّ

وطالب في ذات الوقت بتكوين لجنة محايدة ونزيهة للدراسة والتأكد والتقصي من الدور الذي قامت به لجنة التصرف في المرافق الحكومية، وهل تم وفق صلاحياتها أم تجاوزتها، مؤكداً أن تلك المؤسسات لم تكن فاشلة، وأردف كان من الأنسب استجلاب خبرات أجنبية للإدارة. ولتصحيح المسار اقترح الرمادي أن تُعاد الأصول إلى الحكومة، وأن تبدأ استقطاب التمويل من الخارج كما حدث من قبل، بجانب اختيار كفاءات للإدارات بدون المحسوبية التي حطمت المؤسسات. وفي ما يخص الحديث حول الميناء الجنوبي ببورتسودان، قال الرمادي  إنه نوع من المآسي المتجددة واستعجب من المداراة التي مورست في تسليم المقر، وأضاف على الدولة كف أيدي هؤلاء فوراً ومعاقبة الجناة، واعتبره تجنياً على المصالح العامة، كما أكد أن الدولة قادرة أن توقفه والتحري عن جنسية الشركة ونيتها في العمل أو الاحتيال.

عدم القدرة المالية

وبين وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي أن الخصخصة أكبر من اسمها، وعملياً الحكومة ليست لها قدرات مالية لتسيير العمل، وأن المؤسسات العامة يقدر ربحها بـ(1%) والذي قطعاً يعد خسارة، ويرى أن القطاع الخاص غير راغب فيها، وهناك ربح وليس خسارة اقتصادية من سياسة الخصخصة التي وفرت خبرات وإدارات ذات كفاءة، وأوردت استثمارات وتقنية ومؤكد تقديراتها إيجابية، وقال حمدي إن الحكومة بعد مجيء الإنقاذ لم تكن تملك بواخر أو سكة حديد عدا الطيران، إلى أن بيعت سودانير، وتلك هي الخسارة الكبرى، مشيراً إلى أن خط هيثرو كان يمثل (5%) من الناتج الإجمالي وقتذاك، ونفى خصخصة المشاريع الزراعية الكبيرة وقطاع الصناعة.

الخصخصة وإشاعة الحرية

ولفت حمدي إلى أن الخصخصة لم تتم عشوائياً أو (هرجلة)، مؤكداً أن قطاعات معينة تمت خصخصتها منها الزراعة وثلاثة بنوك والاستراحات، وأضاف أن أكثر ما يزعج في عملية الخصخصة هو تشريد العمالة، ويعتقد حمدي أن الخصخصة خلقت كما هائلاً من الوظائف وأنتجت اهتماماً شديداَ بالقطاع، وذكر أن (7) شركات لا سلكية ثلاث منها ذهبت مع انفصال الجنوب. وقال حمدي إن سياسة الخصخصة أشاعت الحرية الاقتصادية، إذ الشعار الحكومي وقتها كان (الحكومة تخرج من النشاط الاقتصادي)، وهي ما بنت السودان الحالي مما انعكس على حرية العمل والأسعار، والخصخصة كانت عنواناً للحرية. ويقول حمدي إن الخصخصة عملية صغيرة خلقت جو الحرية الذي ساهم في التقدم، وهي التغيير والتطور الاقتصادي.

لجنة النقل لا يمكن الوصول إليها  

كان لابد لنا في سياق هذا التحقيق من استصحاب إفادة لجنة النقل والطرق والجسور التي اتصلت بها مراراً وتكراراً، لتنفي أو تؤكد ما جاء في سياق التحقيق، ولكن من دون جدوى.

تحقيق – سارة إبراهيم

الخرطوم: (صحيفة مصادر)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى