تحقيقات وتقارير

محافظ البنك المركزي..كبش فداء.. أم (أزمة) ؟؟

خلال أقل من عامين، أعتلى ثلاثة أشخاص منصب محافظ بنك السودان المركزي، والتي تخرج عن إطار المألوف في العمل المصرفي المتعارف عليه، تباعدت فيها فترة التكليف شهوراً معدودة وليست سنوات، فيما كان القضاء والقدر هو مصير أحدهم، ولعل الأسباب المساقة لهذه التعيينات المترادفة، الأزمة الاقتصادية الراهنة وآثارها القوية على الواقع. توارد الأزمات المستعصية من مشكلة النقد الأجنبي وانعدام السيولة التي تعدت ثلثي العام وتآكل الاحتياطي النقدي للبنك المركزي السوداني، بسببها منذ العام 2015م دون الانتباه لها حتى انفجرت أزمة السيولة في فبراير من العام الماضي، فكان قرار تكثيف طباعة النقد لتداركها، إضافة الى العديد من السياسات المتعجلة لأجل علاجها، لا سيما ـ ووفقاً للمقربين من الشأن الاقتصادي ـ أنها تعود في المقام الأول والأخير لقراراته، وبالتالي يجب عليه تحمل عقباتها .

تجريب المجرب

توالي التعيينات بسرعة الصاروخ، أشبه ما تكون بمحاولة الوصول لعلاج الأزمة الاقتصادية المشتعلة بإصدار قرارات حاسمة وقاطعة، إلا أن المحك الرئيس حول من سيتولى والى أين سيقود الوضع الماثل، هل إلى بر الأمان، وهو ما جعل حديث الخبير المصرفي د.عبد الله الرمادي لـ(الإنتباهة) يحمل نظرة تشاؤمية من جهة أن يكون التعيين من تجريب المجرب، وأوضح أن سوء الإدارة المالية والنقدية في البنك المركزي ووزارة المالية هي أساس الأزمة الاقتصادية الموجودة الآن، وأشار الى أن التعيين يجب أن يكون في إطار سياسة حكومة الكفاءات، من ذوي الخبرة وليس من يتقلد مناصب إدارية في البنك. وقطع في أن أُس المشاكل تتمثل في النقد الأجنبي والسياسات الخاطئة التي يتخذها المركزي والتي أدت الى ضعف الإمكانيات الاقتصادية، فبرزت الأزمة الحالية، ولهذا لا ننتظر منهم أي «رجاء» او أمل. وأضاف الرمادي: يجب الاستفادة من حكمة أنشتاين القائل فيها (من الحماقة أن تستخدم نفس العقلية التي أوردتك موارد الفشل أن تستعين بها لتخرجك من براثن الفشل).

فشل قرارات:

وكان حديث لأحد الخبراء الاقتصاديين ـ لم يفصح عن اسمه ـ ليس ببعيد عن سابقه (الرمادي)، حيث قال إن المحافظ الجديد لن يكون أفضل ممن سبقه، وزاد: كل من تم تعيينه محافظاً للبنك المركزي من ذوي الخبرة وتدرجوا في مناصبهم. وعاد للقول( إن خبرته أقل من المحافظ السابق بلا شك).
وأوضح أن مشكلة محافظي البنك المركزي تتمثل في عدم مقدرتهم على اتخاذ القرار وسعيهم لرمي القرارات على عاتق وزير المالية والذي بدوره يرفعها لمجلس الوزراء ومن ثم لرئيس الجمهورية، ولا يوجد من يستطيع اتخاذ قرار متعلق بالنقد او السياسات المالية والنقدية، وحتى الائتمانية، وأن الشلل الموجود يعود لعدم مقدرة أياً منهم لمسؤولية قرار يؤثر على وضعه ووظيفته لتدربهم على عدم اتخاذ القرار.
وذكر في هذا الصدد أنه يجب عدم الاعتماد على الاصطاف الموجود داخل البنك المركزي بحجة فهمه للبنك والسياسات، ويجب أن يستعينوا بالكوادر الموجودة بالخارج وعملت ببنوك مركزية خارجية او الكوادر المصرفية بشكل واضح، لافتاً الى أن عمل بنك السودان ليس بالأمر الصعب او أن سياساته معقدة.

إرادة سياسية:

وكشف مصدر مقرب من المركزي لـ(الإنتباهة) أن الخوف على المنصب ومميزاته تجعل اتخاذ القرارات بالبنك من الصعوبة بمكان، وأن الإرادة السياسية هي المسيطرة على الوضع بشكل دائم دون أن تولي أدنى اهتمام للمصلحة الوطنية العامة، ولذلك توالت الأزمات الاقتصادية خاصة وأن المركزي هو العمود الفقري للجسم الاقتصادي للسودان، مما يتطلب أن يكون ذو قرار منفرد بعيداً عن أية تأثيرات خارجية.
وعود على بدء وبعد تعيين رئيس الجمهورية لحسين يحيى جنقول محافظاً للبنك، فإن الواقع الذي يعيشه السودان الآن يتطلب «قراءة متأنية « لكل الأوراق والقرارات، والاستفادة من الأخطاء السابقة، أو تعديلها بالمستطاع في ظل حكومة الكفاءات التي أعلن عنها، وهو ما ذهب إليه الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الله المرضي، بأن الخروج من الأزمة يتطلب استقلالية القرار بعيداً عن أية تأثيرات سياسية، ولفت إلى أن تداخل الاختصاصات هو ما أدى الى تأزم المأزوم واستشرائه عبر أساليب الفساد المختلفة، مؤكداً أن خطوة التعيين الجديدة ستواجهها ترسبات الأزمات المتلاحقة، وتتطلب مجهوداً جباراً. وقال: (العلاج عاوز جرة نفس طويل وقطع رؤوس كثيرة أسهمت في تدني الأوضاع). إذن.. هي عقبات كثيرة تواجه المحافظ الجديد تتطلب الضرب بيد من حديد لتطبيق السياسات الموضوعة للخروج من المأزق الاقتصادي الذي يواجه السودان، بصلاحيات وسلطات واسعة مصحوبة بقانون الطوارئ الذي يكتنف البلاد.

لمحة عن جنقول:

حسين يحيي جنقول الباشا ولد بقرية العين الضباب – ولاية شمال كردفان، تلقى مراحله الدراسية بمدرسة العين الضباب الصغرى مدرسة سدرة الأولية ومن ثم مدرسة الرهد الأميرية الوسطى والمرحلة الثانوية بمدرسة خور طقت الثانوية، وتلقى تعليمه الجامعي بجامعة الخرطوم – كلية الاقتصاد المؤهلات بكالريوس (اقتصاد بحت) مع مرتبة الشرف – جامعة الخرطوم 1982م ماجستير اقتصاد – جامعة كولمبيا نيويورك 2000م. وتحمل سيرته الذاتية شهادة خبرة من خلال التحاقه ببنك السودان المركزي في العام 1982م عمل بكل إدارات البنك المختلفة وتدرج حتى درجة مدير عام وتم تعيينه في 2009م مساعداً للمحافظ.

تقرير : ربــــاب علـــي

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى