الطاهر ساتي

عيب أيضاً..!!

:: لم تتحدث عنها حكومة الخرطوم، وكذلك لم تكتب عنها صحافة الخرطوم.. فالمعلومة – المؤلمة – بصحف القاهرة هي وصول كميات من الدقيق الخرطوم على متن شاحنات عبر معبر أرقين البري، إهداء من حكومة مصر إلى الشعب السوداني، لمساعدته على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان حالياً وأن هذه الهدية تأتي في إطار العلاقات المتميزة التي تربط قيادتي البلدين، والروابط التاريخية والأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل.. هكذا الخبر بصحف القاهرة..!!

:: ثم كان الحدث الآخر، بصحف القاهرة أيضاً، يتحدث عن استيراد مصر لقمح روسي يحتوي على فطر الإرغوت (مادة مسرطنة)، ولذلك توجس البعض هنا وكتب في مواقع التواصل – لاعناً الحكومتين – بمظان أن تلك الهدية قمح روسي مسرطن.. ولكن أكدت هيئة المواصفات والمقاييس حجز شحنة الإغاثة المصرية بالمخازن، ثم سحبت عينات منها بغرض التحاليل المتعلقة بالصحة والسلامة، والتأكد من خلوها من أي ملوثات ومطابقتها للمواصفات..!!

:: ولكن، لمن توجسوا وغضبوا بمظان أن هذه الإغاثة مسرطنة، نحكي قصة شيخ العرب – وزعيم البطانة في أزمنة الاستعمار – أب سن.. استأذنه ابنه للذهاب إلى الحاكم العام ليصدًق له بموقع دكان في سوق رفاعة، فتنهد شيخ العرب عميقاً ثم خاطب ابنه ناصحاً: (ما تطلب أرض من الإنجليزي، لو أداك عيب ولو رفض ليك عيب).. وهكذا أيضاً حال هذه الإغاثة المصرية، أي لو كانت مسرطنة (عيب) ولو لم تكن مسرطنة (عيب أيضاً)..!!

:: فالشاهد أن مصر تشهد انفجاراً سكانياً (100مليون نسمة)، وتُقدر الأرض الصالحة للزراعة (8.6 مليون فدان)، ولذلك تستورد القمح والدقيق.. وهنا تعاني بلادنا من ضعف في معدل النمو السكاني (35 مليون نسمة)، بيد أن مساحة الأرض الصالحة للزراعة تقارب بـ(170 مليون فدان).. فمن أي الدولتين كان يجب أن تغادر شاحنات الإغاثة للدولة الأخرى؟.. وقبل الإغاثة المصرية بأشهر، كان إعلان الإمارات عن توزيع اغاثتها أيضاً..!!

:: نعم، وقد اسمتها الإمارات بخطة توزيع مواد غذائية في بعض ولايات السودان عبر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وتأكيدها بأن وفداً من الهيئة توجه إلى الخرطوم للإشراف على توفير المواد من الأسواق المحلية وإيصالها إلى المستفيدين في مناطق وجودهم بالخرطوم وخارجها.. هكذا كان خبر الاستجداء.. والجدير بالانتباه ثم الحزن، ليست الإغاثة وحدها فحسب، بل توفيرها من أسواقنا ثم توزيعها بأنفسهم، لتطمئن قلوبهم بأن اغاثتهم وصلت لمن يستحقها..!!

:: وبعد إعلان الإمارات عن خطة توفير وتوزيع إغاثتها، كان خبر وصول باخرة سعودية إلى ميناء بورتسودان وهي تحمل (458 طناً) من مواد غذائية ودوائية وإيوائية، إغاثة أيضاً.. ثم كان الخبر عن إعلان إدارة الكوارث والطوارئ التابعة لمكتب رئيس الوزراء التركي عن وصول الباخرة (قريبك سيس) إلى ميناء بورتسودان محملة بعشرة آلاف طن قمح، كمنحة مقدمة من الحكومة التركية لمن أسموه بالشعب السوداني..!!

:: هكذا حال بلاد يشقها النيل من أقصاها إلى أقصاها.. تغرقها الأمطار في الخريف، وأرضها الخصبة على مد البصر، ومعادنها محشوة في جوف جبالها وباطن أرضها، وثروتها الحيوانية تُعد بالملايين، وغابتها تزاحم أشجارها بعضها، ومشاريعها تتوسد شواطئ أنهارها، وإنسانها قادر على البذل والعطاء، ومع ذلك تستقبل سفن وشاحنات الإغاثة في كل فصول العام.. وكنت قد سألت في ذات إغاثة، ما الذي ينقص هذا الوطن الحبيب بحيث لا تكون يده هي السًفلى؟.. ويبقي السؤال..!!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى