الطاهر ساتي

لم يكتشفوه ..!!

:: زارهم الرئيس الراحل نميري قبيل رمضان بأسابيع، وكان هناك إستياء من حزمة جبايات ورسوم .. فاستقبلوه ببرود، ثم قدموا طلباُ بالإعفاءات الضريبية والغرامات اوالرسوم ، ويبدوا أن الرئيس نميري كان (مزاجو رايق)، إذ شرع في الإستجابة لمطالبهم، طلباً تلو الآخر..( مش الغرامة دي؟، خلاص لغيناها)، ( مش الرسوم دي؟، خلاص لغيناها)، ( مش الضريبة دي؟، خلاص لغيناها)، و .. و.. بمنتهى الأريحية والسرعة .. وقبل أن يُكمل قائمة المطالب ، صاح أحدهم – من الصفوف الخلفية – طالباً : ( ورمضان كمان يا ريس)..!!

:: وهكذا لسان حال الحزب الحاكم أمام الشباب منذ بداية الإحتجاجات، بمظان أن مطالب الشباب ذاتية .. إذ كان خبر الأمس توجيه إجتماع المكتب القيادى للمؤتمر الوطنى – والذى انتهى فى الساعات الأولى من الصباح – بعقد مؤتمر قومى لمناقشة قضايا الشباب السودانى، مع وضع المعالجات والحلول وتحليل الواقع الشبابى.. كما وجه المكتب بإجراء مراجعات وتعديلات على بعض مواد قوانين النظام العام والخدمات.. وأقر بأن هناك قضايا أساسية للشباب ولابد من معالجتها، مع استيعاب طاقاتهم، خاصة على مستوى البطالة والتدريب وبناء القدرات ..!!

:: وعليه، يصبح الحدث، كما يلي : بعد ثلاثة عقود من الحكم، إكتشف الحزب الحاكم – فجأة – بأن في بلادنا (شباب) .. نعم، تفاجأ بهم الحزب خلال الأسابيع الفائتة، أي بعد الإحتجاجات التي عمت مدن البلاد وأريافها، وبعد أن قدموا أغلى ما يملكون، روحاً ودماً.. وقبل كل هذا، ربما كان الحزب الحاكم يظن بأن شعب البلاد محض أطفال وكبار سن، أي خال من الشباب .. ومع إكتشاف الشباب في مجتمعات التي تُشكل الشعب السوداني، إكتشف الحزب الحاكم أيضاُ بأن لهؤلاء الشباب (قضايا عالقة)، ويجب ايجاد حلول – عاجلة وجذرية – لهذه القضايا.. يا لهذه العبقرية ..!!

:: ولكن للأسف، فالحدث ليس – بهذه البساطة – كما يظن الحزب، أي لم يتم إكتشاف قضايا الشباب بعد.. ولتأكيد ذلك، نقرأ ما يلي بالنص : ( واشار الدكتور فيصل حسن إبراهيم الى ان المكتب القيادى للحزب قد أصدر فى اجتماعه العديد من القرارات والتوصيات بشأن تنفيذها على أرض الواقع، وفى مقدمتها عقد مؤتمر قومى يناقش كافة قضايا الشباب بالبلاد، والعمل على خلق فرص عمل بالاستفادة من التمويل الاصغر، وإجراء تعديلات على بعض مواد قوانين النظام العام والخدمات و..)..!!

:: تأملوا، فالحزب يظن بأن هذه هي القضايا التي تعكر صفو الشباب لحد الإحتجاج في الشوارع ثم الموت والجرح .. ولكن (لا).. ومن الخطأ إختزال قضايا الشباب في وظيفة وتمويل أصغر وقانون النظام العام وغيره من الصغائر، وفي هذا الإختزال تحقير للشباب.. ثم من انتقلوا إلى جنان الرحمن بالرصاص، فيهم الطبيب والمهندس والمعلم و الطالب، أي لم يخرجوا إلى الشوارع ويستشهدوا في سبيل الوظائف والتمويل الأصغر وغيره من الصغائر، أو كما يظن الحزب الحاكم .. !!

:: فالمياه تكتسب عذوبتها من جريانها – بسلاسة، أي بلا معيقات – في مجاري الأنهار، وإذا توقفت عن الجريان تحولت إلى (برك آسنة).. وهكذا الشعوب أيضاُ.. إذ هي تكتسب قوتها وحيويتها بسريان أفكار أجيالها – بسلاسة ، أي بلا متاريس- في كل مناحي الحياة العامة.. وكما تعلمون، فان أفكار الأجيال لا تسري – في مناحي الحياة العامة – إلا بالتجديد والتغيير، وهذا ما كان يجب أن يكتشفوه .. ليس في ليلة الإجتماع، ولكن قبل غضب الشباب ..!!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى