الطاهر ساتي

( وجع ضرس)

:: الراحل المقيم عوض دكام، عليه رحمة الله، كان محبوباً بكريم الخصال وطيب المعشر والمواقف الطريفة.. ذات ليلة، بعيادته بالخرطوم بحري، وهو يعالج في مريض، اقترب موعد انطلاقة مباراة قمة ( هلال / مريخ).. وكان دكام من مرتادي دار الرياضة و حريصاً على متابعة القمة من موقع الحدث، فخرج إلى صالة العيادة ثم نظر إلى رهط المرضى الذين ينتظرون دورهم في قوائم الكشف والخلع و الحشو، و خاطبهم ضاحكاً : (إنتوا عايزين الجد ولا ود عمو؟، أنا من بقيت طبيب أسنان ما شفت زول مات بوجع ضرس، يلا امشوا و تعالوا بكره )..!!

:: دكام كان يعلم أنه أمام حالات يصفها الطب بالحالات الباردة.. فالأطباء هم من يصنفون الحالات إلى (باردة) ما ضرها تأخير النظر فيها يوماً أو أياماً، و أخرى ( طارئة وحرجة) يستدعي تدخل الطبيب عاجلاً .. ثم الأطباء هم أحرص الناس على حياة المريض وسلامة صحته، بل هم أحرص – على حياة المريض – من المريض نفسه وأسرته .. وعندما يضرب الأطباء عن العمل، ليس في بلادنا فحسب، بل في كل بلاد الدنيا، فهذا لايعني رفضهم لعلاج كل الحالات المرضية، أو كما يظن البعض، بل هم يعالجون الحالات الطارئة ويؤجلون الحالات الباردة إلى موعد آخر ..!!

:: نعم طبيعة مهنة الطب تجعل خبر توقف الطيب عن العمل مثيراً للجدل في الإعلام والمجتمع، و لكن يجب شرح الحدث بحيث إن الحالات المتوقف عن علاجها الطبيب مؤقتاً هي الحالات التي تحتمل التأجيل ولا تتطلب رعاية عاجلة.. وتقريباً يمكن وصف المشافي التي في حالات اﻹضراب بانها تعمل كما تعمل في أيام الجمعة وغيرها من العطلات.. فالفكرة الجوهرية لإضراب الطبيب، ليس في تنفيذها كما يظن البعض، بل تكمن الفكرة في رمزية اﻹعلان وتأثيره على الرأي العام .. أي مجرد خبر عن إضراب الأطباء يجب أن يكفي بحيث يكون رسالة لمن يهمهم الأمر ..!!

:: وعليه، لا تهاجموا الأطباء حين يعبروا عن مواقفهم، فالأفيال أمامنا بشحومها ولحومها، وأعني بالأفيال السياسات التي تعكر صفو الأطباء وغيرهم لحد التوقف عن العمل أو مغادرة البلاد.. وبالمناسبة، كمن يبكي على سوبا بعد خرابها، تبكي الحكومة حالياً على هجرة الأطباء..ويوم أمس، أعلنت وزارة الصحة عما أسمتها بمبادرة الاستفادة من الأطباء السودانيين العاملين بالخارج، بهدف توطين العلاج بالداخل، و إن المبادرة تقوم على تهيئة المستشفيات الكبرى بالبلاد للاستفادة من الأطباء الزائرين لإجراء العمليات المعقدة مثل القلب، الكلى، المخ والأعصاب والأورام وغيرها ..!!

:: هذا حالنا.. تدني الراتب، تقزم فرص التطوير، تردي بيئة العمل و أزمة المعدات و .. بالسياسة الطاردة، تم تشريد الأطباء لحد تجفيف المرافق الصحية والتعليمية من الكفاءات.. وآثار نزيف العقول لم تجفف المشافي من الكفاءات فحسب، بل أفقدت البلاد استثماراً ضخماً يتمثل في الصرف على التعليم والتأهيل ، إذ كسبت دول المهجر كفاءات مدربة ومؤهلة.. (60%) من أطباء السودان يعملون بالخارج، والمتبقي – 40% – إن لم يكن بصالة المغادرة، فإنه في مرحلة الاستخارة .. وعليه، حتى ولو غضبوا و أجلوا حشو الأسنان وكشف النظر إلى يوم آخر، فأحمدوا الله على أن في بلادنا أطباء ..!!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى