الفاتح جبرا

نقش ونرش

ما يحدث الآن في الساحة السودانية يذكرني بأحد معلمينا في المرحلة الأولية (الإبتدائية) في ستينات القرن الماضي وقد كان حينها العقاب البدني بأنواعه شيئاً مباحاً بل عادياً حيث كانت عبارة (أولياء الأمور) لإدارات المدارس عندها هي : (ليكم اللحم ولينا العضم) !

كان ذلك المعلم (رحمه الله) مشرفاً على الفصل ومن مسؤولياته متابعة عملية (النظافة) اليومية التي كان علينا كتلاميذ أن نقوم بها بعد أن تم تقسيمنا إلى ستة مجموعات يحسب أيام الأسبوع الدراسية .

في طابور الصباح (كل يوم) كانت تقدم (للأستاذ) قائمة بالتلاميذ (الأشقياء) الذين لم يشاركوا في عملية النظافة (زائغين وكده) فيقوم بتلاوة أسمائهم وهو يقف بقوامه الفارع في منتصف الطابور ممسكاً بسوط غليظ مصنوع من جلد (البقر) المتين، وما أن يحضر أمامه (التلميذ) حتى يبدأ في (شحطه) تارة على ظهره وأخرى على رجليه (مرة فوق ومرة تحت) وهو يخاطبه (مع كل سوط) طالباً منه أن يردد معه :
• أقش .. وأرش !!
وبين كلمتي (أقش) و(أرش) كان السوط ينهال على أجسادنا الصغيرة !!

وأنا أفكر فيما نحن فيه الآن ، كثيراً ما أتذكر منظر ذلك الطابور الصباحي ومنظر ذلك (المعلم) وهو يلهب ظهورنا الطرية بذلك (السوط) الغليظ وسرعان ما أقوم بإسترجاع ذلك المقطع :
• أقش (طااااخ) … أرش (طااااخ) !!
لا فرق عندي بين هؤلاء القوم الذين يحكموننا وبين ذلك المعلم (الفظ) الذي كان يعاملنا بتلك القسوة التي لا تتناسب مع براءة تلك السن المبكرة ، ففي كل مرة أشاهد فيها ذلك الضرب المبرح الذي تتعامل به القوات الحكومية مع المحتجين المتظاهرين أتخيل (القوم) وقد (أمسكوا بالسوط) يلهبون به ظهر الشعب السوداني (الفضل) لمدة (ثلاثين عاما) في قسوة وتشف على طريقة :
• أقش .. وأرش !!

شتان ما بين (سوط) المعلم و(سوط) الطغاة ، وشتان ما بين ظهور التلاميذ (الطرية) وظهر الشعب (القوي) وشتان بين من يلهب ظهرك لتتعلم وبين من يلهب ظهرك لتتألم ، لعله من الفواجع الداعية إلى الذهول والذبول أن من يلهبون ظهر هذا الشعب الآن بسياط القهر ويستحلون دماء أبنائه هم من سرقوا ثرواته وباعوا خيراته وفرطو في ممتلكاته وإستباحوا خزائنه وأراضيه وفسدوا وأفسدوا فيه فساداً سارت بذكره الركبان.
لن يمض وقت طويل حتى يقتلع هذا الشعب الصابر الأبي السوط من يد جلاديه التي لم تكل من الضرب والقتل والتنكيل ، غداً نتلاقى في طابور الصباح .. حيث لا (قش) ولا (رش) لنردد جميعاً (تحية الوطن) !!!

كسرة :
نعم .. إنتهى عهد (نرش ونقش) !!
كسرة ثابتة :
أخبار ملف خط هيثرو شنووو؟ 104 واو – (ليها ثمانية سنين وثمانية شهور)؟ .. فليستعد اللصوص !

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى