الطيب مصطفى

كلام الطير في الباقير!!

أعجب ممن قفزوا من مركب الحوار ظنّاً منهم أنها قد أوشكت على الغرق بعد أن رأوها تتمايل قليلاً جراء الاحتجاجات الأخيرة التي اشتعلت في عدد من المدن من بينها الخرطوم.

صحيح أن تلك الاحتجاجات والتظاهرات كانت هي الأكبر منذ أن تسلم الرئيس البشير الحكم كونها لم تقتصر على العاصمة كما أنها كانت مبررة بعد أن ضاقت بالناس سبل العيش الكريم ولم تقتصر معاناتهم على صفوف الخبز والوقود إنما تجاوزتها إلى حرمان الناس جميعاً ، غنيّهم وفقيرهم ، لأول مرة منذ الاستقلال من ودائعهم المصرفية ولكن.

هل كان هناك مبرر للقفز من المركب الآن وهل فعلاً أوشكت على الغرق ثم أليس ذلك من قبيل الانتهازية السياسية المجردة من الأخلاق؟!

أقول هذا بين يدي خروج بضعة أحزاب من الحوار تحت اسم (الجبهة الوطنية للتغيير) ومطالبتهم بحل كل المؤسسات القائمة بما في ذلك الحكومة المركزية والمجلس الوطني والحكومات والبرلمانات الولائية وإقامة مجلس سيادة انتقالي وحكومة انتقالية وبرلمان بديل بحيث تعد الحكومة المركزية والبرلمان الانتقالي للانتخابات من خلال استصدار التشريعات اللازمة لذلك الغرض.

صدقوني أنني لا أجد وصفاً يليق بهذه الخزعبلات غير المثل الشعبي الساخر (كلام الطير في الباقير)!

صحيح أن هناك أزمة اقتصادية خانقة لن أبرئ الحكومة الحالية من المسؤولية عنها ولكن هل يظن أولئك السادة أن حلّهم الفطير سيحل المشكلة، ثم من هم وما هو وزنهم السياسي حتى يقرروا بالنيابة عن الشعب السوداني حل المؤسسات القائمة ونحن على أعتاب انتخابات ستجرى بعد نحو عام من الآن؟!

مجرد أحزاب صغيرة تعد على أصابع اليد أو قل اليدين مع أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم هل يعقل أن يكونوا بديلاً للمؤسسات القائمة، وهل يجوز أن يكون ما خرجوا به في ساعات بديلاً لمخرجات الحوار الوطني التي عكفت عليها معظم القوى السياسية السودانية بما فيها ذات تلك الأحزاب المنسحبة لسنوات وتواثقت على وضعها موضع التنفيذ؟!

من المدهش بحق أن تلك الأحزاب وصفت الحوار الوطني الذي شطبته بجرة قلم كما شطبت كل المؤسسات القائمة بموجبه ، بقولها : (الحوار شكل أرضية خصبة لحل مشاكل البلاد) فلماذا لم تصبروا عليه وقد تبقى لمخرجه الأكبر المتمثل في الانتخابات عام واحد لتقيموا بناء جديداً لا يدري أحد كنهه أو شخوصه أو كيفية الاتفاق عليه ومتى وكيف يتمخض عن توافق سياسي يفضي إلى انتخابات نزيهة؟

أما أن المركب أوشكت على الغرق فهو مجرد خوف وذعر لا يليق بمن يمارسون السياسة بصدق فمن يمارس السياسة ينبغي أن يتحمل تبعاتها مهما كانت قاسية وأن يلتزم مبادئها وأخلاقياتها بعيداً عن التقافز من موقف إلى موقف ومن تحالف إلى آخر .

إننا ما اتخذنا مواقفنا هذه إلا خوفاً على بلادنا من الانزلاق في الفوضى فليس من المعقول أن نقفز في الظلام بالرغم من هشاشة الأوضاع في السودان وبالرغم مما رأيناه في محيطنا الإقليمي مثل سوريا والصومال والعراق.

لم أنته من طرحي كما لم أعلق على التنظيم النقابي الشيوعي المسمى بتجمع المهنيين فإلى الغد بإذن الله.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى