(أبوجا فارما)

:: أمس الأول، عندما تلقّيت دعوة لحضور ما سمّوه بحفل التوقيع على اتفاقية توفير وتسعير الأدوية، برعاية رئيس مجلس الوزراء، قلت لمن حولي فرحاً: ربما كان هناك خلاف عميق مع الحركات المسلحة بدارفور حول توفير وتسعير الأدوية بالسودان، وقد نجح الدكتور أمين حسن عمر في التفاوض وإقناع الحركات المسلحة بالتوقيع على هذه الاتفاقية التي يحتفلون بها في أعظم فنادق السودان، فندق كورنثيا (برج الفاتح سابقاً).. !!

:: ثم صباح أمس، تلقّيت ذات الدعوة ولكن بعد تغيير مكان حفل التوقيع من كورنثيا إلى إلى رئاسة مجلس الوزراء، فقلت لمن حولي فرحاً أيضاً: رغم عظمة الحدث، ولكن تقديراً للأزمة الاقتصادية واحتجاجاتها، ثم تطبيقاً لشعار التقشف المعلن من رئيس الوزراء (شخصياً)، ثم تضامناً مع الذين يصطفون في صفوف الرغيف والوقود والبنوك طوال ساعات النهار والليل؛ قرروا نقل الاحتفال بالاتفاقية من كورنثيا إلى رئاسة مجلس الوزراء.. !!

:: ثم منتصف نهار أمس، تلقّيت ذات الدعوة، ولكن قرروا فيها رفض التقشف المرفوع شعاراً من قبل رئيس الوزراء، وعدم التضامن مع المنتظرين الوقود والرغيف و(نقودهم)، أي نقلوا حفل التوقيع – على الاتفاقية التاريخية – إلى فندق كورنثيا مرة أخرى.. فقلت لمن حولي: لا عليكم، فالحدث يستحق كورنثيا، خاصة أن الحكومة دفعت الكثير في حربها مع الحركات المسلحة، وليس هناك ما يمنع دفع القليل من (فواتير السلام)، والتي منها تكاليف الاحتفال باتفاقية توفير وتسعير الأدوية.. !!

:: ولكن للأسف، عندما أعدت البصر كرتين على رقاع الدعوة، فوجئت بأن الحركات المسلحة ليست طرفاً في اتفاقية توفير وتسعير الأدوية بالسودان، ولن يحضر ثامبو امبيكي وزعماء الحركات احتفال كورنثيا.. وكل ما في الأمر، قبل شهر، اتفقت وزارة الصحة مع شعبة مستوردي الأدوية على تخفيض أسعار الأدوية المسجلة – بالدولار – في مجلس الأدوية بنسبة (25%)، ولكن مقابل تسعير الأدوية بسعر دولار آلية صناع السوق (47.5 جنيه)، وليس بالسعر التأشيري السابق (30 جنيهاً).. !!

:: تلك هي الاتفاقية التي توصلت إليها وزارة الصحة ومجلس الأدوية مع شعبة مستوردي الأدوية، وسارية منذ شهر تقريباً.. وهي لم تساهم في تخفيض أسعار الأدوية ولو بنسبة (1%)، بل أبقت الأسعار كما هي (غالية)، ولذلك فرحوا بالاتفاقية، وعدوها (إنجازاً).. طموح السادة تقزم لحد الرقص والطرب بمناسبة تثبيت الأسعار (عالية).. ولعدم وجود إنجاز آخر في كل مناحي الحياة، احتفلوا يوم أمس – في فندق كورنثيا – باتفاقية الإبقاء على أسعار الأدوية كما هي (غالية).. !!

:: والمهم.. على رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء مراجعة قرار رفع الدعم عن الأدوية، ولو بدعم أدوية الأمراض المزمنة، وهي الأدوية التي يستخدمها المريض (مدى الحياة)، وهي الأكثر استهلاكاً لميزانية الأسر.. أما السادة الذين احتفلوا بالإبقاء على أسعار الأدوية (عالية)، فعليهم أن يعلموا بأنهم يخدعون أنفسهم بهذا الاحتفال، وليس المواطن.. لو كنتم تشعرون بأوجاع الناس، فما حدث لأسعار الأدوية – بعد رفع الدعم عنها – يستدعي البكاء وتلقي العزاء وليس الاحتفال، ولكنكم لا تشعرون.. !!

Exit mobile version