*في شهرٍ ما كثُر الموت في تلكم البلدة..
* البلدة النوبية ذات النيل…والنخيل…و(دكاي) عبد الجليل..
*فما أن يولم عبد الجليل هذا وليمة حتى يتعالى صوت الـ(كوبودار) ناعياً شخصاً..
* وقد كانت ولائمه كلها ذات شواء…وغناء…وصهباء..
*وفي يوم كان صباحه منعشاً – ذا سحب – تدبر عبد الجليل (قعدةً ضحوية)..
*وحرص على أن يكون (دكايها) منافساً لشوائها وفرةً..
*ثم أقسم ألا يفسدن عليه يومه هذا طارئ…ولو كان الـ(كوبودار) – الناعي – نفسه..
*فما كل يوم تنعم منطقتنا بجو غائم…يُنتقص فيه الأفق من أطرافه..
*ثم يبدو كظُلة قوم موسى فوق الرؤوس اليابسة..
*وقبل اكتمال التمازج الكيميائي بين الطلاء والشواء والغناء أتى النذير..
* هُمس في أذن عبد الجليل بأن صالح الـ(كوبودار) يقترب..
*فقد سُمع صياحه بنواحي السوق…ويتجه بحماره صوب (قبلي)..
*فأسرع عبد الجليل إلى أبواب – ونوافذ – ديوانه يغلقها بإحكام..
*وكان أثناء ذلك يغمغم (والله لو البلد كله مات النهارده أنحنا مش فاضين).. *ثم هرول نحو جهاز الــ(ريل) رافعاً صوته إلى أقصى حد..
*وارتجت جنبات الديوان العتيق بأغنية (شقي ومجنون) ..
*وبعد أن اطمأن إلى (العزلة) التي فرضها على (القعدة) طفق يغني مع الكحلاوي..
*ويصيح معه بمفرداته الخارجة عن النص من قبيل (آااخ أنا)..
*وما دعاني إلى اجترار هذه الحكاية – الآن – رغبتي في (عزلة ذات سعادة)..
*وذلك عقب وعكة (نفس) مفاجئة ألمت بي ..
*فقد شعرت بأنني في حاجة إلى أن أقضي فترة نقاهة بعيداً عن (المنغصات)..
*وما أكثر المنغصات الأليمة في زماننا العجيب هذا..
*فأنا محتاج – ولو ليوم واحد – إلى الذي فعله عبد الجليل…ولكن دونما (دكاي)..
*وجلست إلى الحاسوب استنطقه درراً قديمة…متجددة..
*بعض درر مما كان يبثه تلفزيوننا في الزمن الجميل من أغانٍ…وبرامج… ولقاءات..
*فتثقفت مع المذيع المثقف حسن عبد الوهاب..
*وأدركت حقيقة الزار مع الاستشاري النفساني حسبو سليمان..
*وانتشيت بـ(نسيم توتي) مع محمد بشير عتيق..
*وأُعجبت بنزاهة نميري….رغم خروجي ضده في (أبريل)..
*ولسبب لا أعلمه شعرت برغبة في سماع رائعة الكحلاوي (شقي ومجنون)..
*تماماً كما فعل عبد الجليل في ذاك اليوم الغائم..
*وفي غمرة لحظاتي السعيدة تلك هاتفني من ينعى إلي (عزيزاً وطنياً)..
*وما أكثر ما فقدنا من (أشياء وطنية عزيزة)…في هذا الزمان..
*فرفعت صوت التسجيل التلفزيوني القديم عالياً حتى طغى على صوت (الناعي)..
*ثم طفقت أصيح مع الكحلاوي (آااخ أنا)..
*و………….آخ !!.