الطيب مصطفى

بين تحرير سعر الدقيق ودعم الفقراء

هل تتخيلون قرائي الكرام أننا ، بالرغم من فقرنا المدقع ، ندعم دول الجوار من خلال التهريب بمئات المليارات من الجنيهات بل هل يعلم الناس أن تهريب السلع ربما يكون من أهم أسباب أزمات صفوف الخبز والوقود مع حالة الهلع التي أصابت المواطنين جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتحمل الحكومة جل المسؤولية الناشئة عنها؟

هل تعلمون أننا نخسر جراء دعم الدقيق يومياً – أكرر يومياً – ما يكفي لإنشاء (70) مدرسة، بل هل تعلمون أن الدعم يعادل إجمالي انفاق الحكومة على التعليم والزراعة والصناعة والضمان الاجتماعي ومشروع زيرو عطش وإصلاح السكة حديد والطرق؟!

أشرح لكم ما أعنيه:

إن سعر الدقيق والوقود في السودان بسبب الدعم الذي يقدم له ، أقل بكثير من سعره في دول الجوار لذلك يهربه التجار إلى دول الجوار.

هل تعلمون أن المبلغ الذي يقدم يومياً لدعم الدقيق يتجاوز (350) مليار جنيه وهو المبلغ الذي يعادل كل الخدمات التي أشرت إليها قبل قليل بل ويكفي لبناء 70 مدرسة في اليوم الواحد أو ما يتجاوز خمسة وعشرين ألف مدرسة في العام كما أفاد رئيس الوزراء معتز موسى خلال مخاطبته المصلين عقب صلاة الجمعة.

الأمر لا يقتصر على الدقيق إنما يشمل الوقود (البنزين والجازولين) الذي يدعم كذلك بمبالغ طائلة تجعل سعره في السودان أقل من سعره في دول الجوار مما يؤدي إلى تهريبه كذلك بكيات كبيرة.

قد يسأل سائل : وأين شرطة مكافحة التهريب والوسائل الأخرى، فأقول إنه من الصعب حراسة كل حدود السودان المترامية الأطراف ولذلك يصعب على كل دول العالم حتى تلك المتطورة والمتقدمة مثل أمريكا ضبط حدودها.

أرجع إلى قضية دعم سعر الدقيق والوقود لأقول إن ذلك لا يتسبب في تهريبه إلى دول الجوار فحسب إنما في تفاقم الأزمة الاقتصادية، فتخيلوا أن الدولة تدعم الدقيق والوقود لمليوني أجنبي يعيشون بين ظهرانينا بل أنها تدعمه للسفارات والمنظمات الأجنبية، وبما أن الأثرياء أكثر صرفاً للوقود من خلال سياراتهم الفارهة ذات الدفع الرباعي، وللدقيق من خلال صرفهم الكبير على أسرهم فإن جل الدعم في حقيقته لا يوجه للفقراء إنما للأثرياء أصحاب الصرف الكبير مقارنة بالفقراء والمساكين.

لقد عدلت الحكومة عندما أقدمت على تنظيم سعر الكهرباء بما يدعم الفقراء ويقلل فاتورتهم ويسحب الدعم من الأغنياء الذين تمتلئ منازلهم الفخمة بمكيفات الهواء .. ألا يستدعي الأمر أن تلجأ الحكومة إلى معالجات عادلة شبيهة بما فعلته عند التعامل مع الكهرباء؟!

إحدى النقاط التي أثارها معتز أنهم سلموا مخابز العاصمة كميات كافية من الدقيق ولكنها لا تكفي لأن بعضها ربما يلجأ إلى استخدامها في صنع الباسطة والحلويات التي تدر عليه إيراداً وربحاً أكبر مما يدره الخبز مما أسهم في حالة الندرة والصفوف.

صحيح أن رفع الدعم عن الدقيق ثم في وقت لاحق عن الوقود يسهم كثيراً في تخفيف عجز الموازنة وفي تضمين الموازنة عدداً كبيراً من مشاريع التنمية خاصة في خدمات التعليم والصحة وفي إنهاء مشكلة الصفوف بل وفي وقف التهريب إلى دول الجوار، ولكن هل يحتمل الناس علاج (الكي) في سبيل إزالة التشوه في الاقتصاد، وهل الوقت ملائم لاتخاذ هذه الخطوة، وهل يمكن تطبيق رفع الدعم مع الإعلان عن حزمة قرارات تهدف إلى تحويل المبالغ الموفرة منه إلى إقامة مشاريع تنمية محسوسة مع دعم محدودي الدخل خاصة من العمال وصغار موظفي الدولة؟!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى