تحقيقات وتقارير

اتهمها رئيس الوزراء بالتسبب في المغالاة.. ما هي (الحلقة الوسطى) التي نخرت عظم الشعب؟

اتهم رئيس مجلس الوزراء أمس الأول ما سماه بـ(الحلقات الوسطى)، بالتسبب في الأزمات الاقتصادية الحالية، وقال معتز موسى في خطبة يوم الجمعة الماضي للمصلين بمسجد الرياض الكبير: “كل هذه المغالاة سببها حلقة وسطى غير ضرورية نخرت عظم هذا الشعب”. في وقت أشار فيه رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان الطيب مصطفى بأصابع الاتهام لبعض الشركات المخالِفة بأنها السبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية واتهمها بالضلوع في الفساد وشراء الدولار بالإضافة إلى التجنيب.

 

وزير العدل محمد أحمد سالم كشف أمام البرلمان أواخر الأسبوع الماضي، عن فتح بلاغات في مواجهة (506) شركات حكومية وخاصة لدى النيابة التجارية لوجود مخالفات فيها؛ مشيراً إلى إجراء تسويات مع بعض الشركات بدفع غرامات مالية لأن مخالفاتها ليست كبيرة؛ ليدور التساؤل حول مضامين تلك الحملات ومبرراتها في هذا التوقيت، فضلاً عن تعذر إنفاذ الحكومة خطوة التخلص من الشركات الحكومية خصوصاً أنها واحدة من أبرز توصيات الحوار الوطني.

شركات بـ(لوحة صفراء)

من وقت لآخر تتكرر وتظهر مطالبات بضرورة التخلص من الشركات الحكومية بحجة أنها وهمية أو أنها تمثل أحد أبرز تناقضات الاقتصاد الوطني الذي يتسم بخروج الدولة تماماً من السوق، فضلاً عن أن تلك الشركات تجد امتيازات في الحصول على إعفاءات ضريبية أو جمركية بالإضافة إلى حصولها على العملات الأجنبية، دون أن تحقيق جدوى كما يقول بذلك الكثيرون من مناصري خطوة فك ارتباط تلك الشركات بالدولة.
في المقابل برزت مطالب من البعض بالاستثناء بالإبقاء على الشركات الحكومية التي تعمل في مشاريع قومية ليتزايد الجدل ويستمر حيال مستقبل تلك الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة (20%) خصوصاً في ظل تهرب بعضها من المراجعة باعتراف المراجع العام في تقريره السنوي الذي يقدم أمام البرلمان.
يقول الكاتب الصحفي الطاهر ساتي: في الفترة السابقة لا يوجد حصر لقائمة عدد الشركات الحكومية، وشيء طبيعي أن يكون حجم مخالفاتها كبير جداً لغياب الرقابة عنها. وأضاف ساتي: الفساد في حصائل الصادر والتهرب الضريبي؛ كله مخالفات بسبب غياب الرقابة الحكومية، وتمدد هذه الشركات؛ التي تدخل السوق وتطحن بقية الشركات الخاصة بسبب الامتيازات التي تتحصل عليها.

تفاصيل حملات الحكومة

المسجل التجاري مولانا محمد أحمد الغالي، كشف في حديثه لـ(السوداني) أمس، عن أن الحملات التي ينفذها المسجل التجاري تتكون من (7) أتيام تخرج صباحاً، مشيراً إلى أن تلك الأتيام لديها معلومات جاهزة حول الشركات التي تتوجه إليها، مؤكداً أن المخالفات كثيرة من بينها تغيير المقر دون إخطار المسجل التجاري، وعدم اكتمال ملفاتها المودعة لدى المسجل، وأضاف: تلك الشركات المخالفة يتم توجيه إنذار لها لتقوم بتوفيق أوضاعها، لافتاً إلى أن العقوبات للشركات المخالفة تصل حد حذف الشركة من السجل، فيما تذهب المخالفات الجنائية للنيابة ومنها للمحكمة.
لا تبدو المعركة سهلة بين أجهزة الدولة المعنية والشركات سواء كانت حكومية أم خاصة، وهو ما أكده الغالي، كاشفاً عن أن المخالفات كثيرة، منوهاً إلى أن الأسبوع القادم سيتم فيه تنفيذ أوامر القبض.
المسجل التجاري شكا من أن خطوة تنفيذ أوامر القبض مواجهة بحاجة النيابة لـ(4) سيارات لتقوم بمهمتها في وقت تتحرك فيه السيارات الموجودة للتفتيش.
المفاجأة تمثلت في تحديد الغالي لوجود الـ(506) شركات التي تم فتح بلاغات في مواجهتها بولاية الخرطوم فقط، وأضاف: ستنتقل الحملات إلى الولايات التي تم الاتصال بها لتشكل فريق التفتيش، منوهاً إلى أن البداية ستكون بالجزيرة، الأبيض، بورتسودان، كسلا، ونيالا، وأن ذلك يتزامن مع ابتعاث تيم من المسجل التجاري، مستدركاً : لكن الولايات هي التي تقوم بالإجراءات برئاسة المسجل التجاري بالولاية وبالتنسيق مع عدة جهات مثل بنك السودان، الأمن الاقتصادي، والضرائب، مشيراً إلى أن وزير العدل أصدر قراراً بتمديد فترة الحملات ثلاثة أشهر أخرى، إذ كان يفترض أن تنتهي الحملات في التاسع من ديسمبر الجاري، منوهاً إلى أنه سيتم تفتيش الشركات الحكومية أو التي تساهم فيها الحكومة بـ(20%) والخاصة والصرافات.
أرقام عادية.. و(البينة على من أدعى)
الخبير القانوني د.إسماعيل الحاج موسى، أكد في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن قضية الشركات سواء خاصة أو حكومية، يتم التعامل معها بذات الطريقة ووفقاً للإجراءات المتعارف عليها، وأضاف: على وزارة العدل أن تأتي بالبينات سواء كانت شهوداً أو وثائق، مشيراً إلى أن القاعدة الذهبية في القانون هي (البينة على من أدعى).
يقول المحلل الاقتصادي د.خالد التيجاني: المشكلة هي أن الحكومة ليس لديها نموذج اقتصادي واضح، فالدولة تقول إنها مع التحرر الاقتصادي فبالتالي يجب أن لا يكون لها علاقة بالسوق أو تحديد أسعار العملات، لكن نجد العكس ونشاهد الشركات الحكومية تدخل السوق بإعفاءات ضريبية، وهذا خلل كبير. وأضاف التيجاني: ما الذي يجعل القوات النظامية تدخل السوق بشركات خاصة بها؟ لذلك على الدولة أن تكف عن عملية (الخروج بالباب والدخول بالشباك). وقال التيجاني إن أزمة محصول السمسم الحالية هي أحد هذه التشوهات التي أحدثتها الشركات الحكومية. وشدد التيجاني على أن تحدد الحكومة نموذجاً اقتصادياً واضحاً للسير فيه، فإذا كانت مع التحرر الاقتصادي فعليها إزالة التشوهات التي أحدثتها، أو أن تقوم بمسؤوليتها كاملة، ولا تلقي اللوم على جهة ما لـ(تشيل الشيلة) بدلاً عنها.
في المقابل، يرى القيادي بالقطاع السياسي بالمؤتمر الوطني المحلل السياسي د.ربيع عبد العاطي في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن المحاكم والنيابات مؤسسات للبلاغات والشكاوى والفصل فيها، بالتالي لا غرابة في أرقام وعدد الشركات المخالفة أو المفتوح في مواجهتها بلاغاً ، واصفا العدد بالطبيعي وليست أرقاماً هائلة، وأضاف: هذه محمدة بأن لدينا مؤسسات عدلية، بدليل فتح (506) بلاغات ضد شركات حكومية وخاصة، وهو ما يشير إلى قيام المؤسسات العدلية بدورها وواجبها.
عبد العاطي دعا الحكومة للتخلص من الشركات الحكومية التي تقوم بالعمل في القطاع الخاص التقليدي، قاطعاً بأن الأمر لا يعني أن ترفع الحكومة يدها عن الثروات القومية، وأضاف: الأفضل أن تضطلع بالإشراف على الذهب والمعادن أو أي سلعة ذات صفة قومية أو استراتيجية.

(نهب مصلح)

إذا كان قيام المسجل التجاري بواجبه تجاه الشركات المخالفة أمراً يدعو للإشادة باعتباره تطبيقاً للقانون، إلا أن وجود شركات حكومية في المشهد ما تزال جزءاً من المشهد الاقتصادي والتجاري في البلاد مثل أزمة للكثيرين. ويذهب رئيس منبر السلام العادل المشارك في الحوار الوطني وعضو لجنة الإعلام بالبرلمان الطيب مصطفى، في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن هذه الشركات هي التي أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية واتهمها بالضلوع في الفساد وشراء الدولار بالإضافة إلى التجنيب، واعتبرها شركات (نهب مصلح) كما أن معظمها شركات خاسرة لأن عائداتها تذهب لجيوب أفراد؛ مبرئاً في الوقت ذاته الشركات العاملة في مجال الجيش من تلك التهم لأنها ملتزمة باللوائح والقوانين.
مصطفى أشار إلى أن المراجع العام كشف عن أن عدد الشركات الحكومة تجاوز الـ(430) شركة، وأنه على الرغم من ولاية وزارة المالية على المال العام، إلا أن عدد الشركات التي خضعت للمراجعة (80) شركة فقط.
الطيب اعتبر أن آلية التصرف في مرافق القطاع العام فشلت في مهمتها بالتخلص منها ولا بد أن تخضع تلك الشركات للقانون، وأضاف: إذا لو سُيّلت أموالها ستحل الأزمة الاقتصادية وتزيل العبء في الميزان التجاري.

من نخر عظم الشعب؟

الطاهر ساتي أشار بأصابع الاتهام إلى دوائر حكومية تتعمد المضاربة في السوق ورفع أسعار الدولار بصورة جنونية، وتسببت في أزمة الوقود والخبز عبر الفساد المقنن، وقال إنها تقوم بتصرفات غير أخلاقية. وأضاف ساتي: هذه الدوائر مدعومة من جهات نافذة لتضعف حكومة معتز موسى؛ وتضع المتاريس في طريقها. وطالب ساتي بضرورة الكشف عن هذه الدوائر وتقديمها للمحاكمات، لأنها تسببت في المعاناة والغلاء الذي طحن المواطن.

غسل أموال

رئيس لجنة التشريع بالبرلمان عثمان نمر، اعتبر في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الهدف الأساسي لحملات وزارة العدل التي انطلقت في سبتمبر الماضي وضبطت (506) شركات حكومية وخاصة مخالفة بالخرطوم، يتمثل في محاربة الشركات الوهمية التي تعمل في غسل الأموال، منوهاً إلى أن الحملات ستنتقل من الخرطوم إلى كل الولايات للوقوف على الكيانات وأسماء الأعمال، مؤكداً دعم لجنة التشريع لوزارة العدل للوقوف على موقف الشركات الخاصة والحكومية.

تقرير : وجدان طلحة

الخرطوم (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى