الطيب مصطفى

الغُلُوُّ والتَّطَرُّف.. حدود المفهوم وضوابطه

نورد اليوم حديث د.عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن الغُلُوُّ والتَّطَرُّف.. حدود المفهوم وضوابطه ويقول حول الموضوع ما يلي:

سؤال ـ أحياناً نصف ظاهرة الغُلُوُّ والتَّطَرُّف بأنها تطرف ونقول تطرف في الدين، وأحياناً نصفها تنطعاً، وتارات تشدداً، وفي مرات عنفاً.. لتجلية كل هذه الأوصاف المتعددة لنبدأ بتحرير المفاهيم.. هل كل تلك النعوت تمثل ظاهرة واحدة؟ أم هنالك تباينات؟

جواب – موضوع الغُلُوُّ والتَّطَرُّف موضوع مهم وحساس، كونه يتناوله المحقون والمبطلون؛ الذين يريدون أن يحرروا القضية والذين يتحاملون أحياناً، وأصبح في يد الإعلام العالمي من ضمن الأجندة الدولية، لذا فإن الدخول إليه ينبغي أن يكون محاطاً بكثير من التأنّي والتأمل. هذه المصطلحات بعضها أصيل في تراثنا وفقهنا وأصولنا وبعضه طارئ.

ومن المصطلحات الأصيلة مصطلح الغلو، والغلو مثل الغلاء، لكن يقال غلاء في الأسعار الذي هو ارتفاع وتجاوز للحد المعهود، الغلو هو تجاوز الحد المشروع إلى الممنوع، كأنه في الشريعة هنالك حد مشروع فإذا تجاوزه الإنسان بالزيادة عليه يسمى غلواً وإن تجاوزه بالنقصان يسمى قصوراً أو تقصيراً، هذا بالنسبة للغلو.

مصطلح التنطع ورد في الحديث النبوي “هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون”، والمتنطعون المتعمقون المتشددون في غير موضع التشديد، و”هلك” إما دعاء أن يهلك الله التنطع أو إخبار بأن عاقبة التنطع تكون هلاكاً، وكلا التفسيرين يدلان على الذم.

بالنسبة للتطرف، الكلمة حادثة ولم ترد في أصولنا ولكن وردت في شعر العرب بمعنى الوقوف في طرف مقابل الوقوف في الوسط، وعندهم الوسط هو الجامع للأطراف، قال الشاعر:

كانت هي الوسط المحمي فانفرقت

بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

فقابل الطرف بالوسط. والتطرف معناه الوقوف في أحد الطرفين، وأحد الطرفين قد يكون أعلى والثاني أسفل، ومن هنا يتضح لنا الفرق بين الغلو والتطرف عموماً وخصوصاً، بمعنى أن كل غلو يعتبر تطرفاً، وليس بالضرورة أن يكون كل تطرف غلواً. ولأشرح المسألة:

التطرف قلنا إنه وقوف عند الطرف، الوقوف عند الطرف قد يكون عند طرف التمييع والتفكك والتفلت، هذا طرف ولكنه لا يسمى غلواً وإنما يسمى تقصيراً، وقد يكون الوقوف عند الطرف الآخر الذي هو تشدد أو تزمت أو تنطع أو تجاوز للحد المشروع، وفي هذه الحالة يكون غلواً.. فالغلو هو تطرف الزيادة، ولكن التطرف يحتمل أن يكون تطرف زيادة، كما يحتمل أن يكون تطرف نقصان.

أما العنف، فهو قدر زائد على الغلو، كل عنف يعتبر غلواً، ولكن ليس كل غلو عنفاً. بمعنى أن الإنسان قد يأخذ بالآراء المتشددة لنفسه التزاماً بها، ولكنه لا يلزم الآخرين بها، فهذا غلو لا عنف فيه. ولكن حين يتحول هذا الغلو الذي هو أخذ بالتشدد غير المشروع ويحاول المسلم أن يلزم به الآخرين؛ إما بالرأي أو بالفعل، هذا يكون قد انتقل بالغلو إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الفعل والعمل الذي يكون فيه تعد على الآخرين: إما بتعدّ لفظي، أو تعدّ عملي، وحينئذٍ يدخل ذلك في دائرة العنف.

والتشدد الشيء نفسه، وقد ورد في الأحاديث ما يدل على لفظ التشدد وقابله أيضاً بالتيسير “يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا”، و”لن يشاد الدين أحد إلا غلبه”. أما الغلو فمصطلح ورد في القرآن الكريم في تحذير أهل الكتاب “يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم” (سورة النساء، الآية” 171)، وورد في الحديث النبوي “وإياكم والغلو في الدين، إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين”، وأهل الكتاب وقعوا في الإفراط والتفريط.

الغلو – بمعنى الزيادة والتنطع – مثله النصارى؛ لأنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله “ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم” (سورة الحديد، الآية: 27)، والتقصير وقع فيه اليهود لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به، لذلك دعانا الله سبحانه وتعالى الى التزام الوسط الذي هو الصراط المستقيم ” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ” (سورة الفاتحة، الآيات: 6،7)، وذكر أن هذا الصراط المستقيم يباين طريقين: طريق المغضوب عليهم؛ الذين قصروا فعلموا ولم يعملوا، ومباين لطريق الضالين؛ الذين ابتدعوا وغالوا وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، لذا قال بعض العلماء: “من فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود”، أي من كان عالماً لا يعمل بعلمه فهو مقصر يشبه اليهود، ومن كان متعبداً بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فله كِفْل مما كان عليه النصارى.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى