تحقيقات وتقارير

هل تنجح جوبا في توحيدهم؟ الحلو، عقار، عرمان… خيارات التسوية والحرب

 

قبل عامٍ تقريباً، هبت رياح عاتية على صعيد الحركة الشعبية شمال، أدت تلك الرياح لهز جذور الحركة وتمزيق صفوف وتساقط أبرز أوراقها عن طريق الانشقاق، فخرج منها القيادي التاريخي مالك عقار ومعه ساعده الأيمن ياسر عرمان، بينما آلت قيادة كابينة القيادة للجنرال صعب المراس عبد العزيز آدم الحلو.

وعقب هذا الانشقاق، أصبح لكل تيار موقف من السلام ورؤية مختلفة .

راهن العلاقة… نظرة من الداخل

الشاهد في الأمر أن العلاقة بين عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان، كانت متينة، تقوم على أسس قوية، وحتى قبل المفاصلة التي ضربت صفوف الحركة الشعبية، كان عرمان يقول في بيانه الشهير “من ينتظر جثة الحركة الشعبية في الضفة الأخرى سيتنظر طويلاً”. غير أن الرياح العاتية عصفت بكل سنوات الرفقة، وأدت لانشقاقهم، ومن ثم تبادل الاتهامات بين الطرفين، وهو أمر لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين.

أجنحة مختلفة

في أعقاب الانشقاق الذي ضرب صفوف الشعبية شمال، أعلن عقار وعرمان عن اندماجهم مع الحركة الشعبية، الأغلبية الصامتة التي يقودها إسماعيل خميس جلاب، وبموجب هذه الوحدة الاندماجية، تمت تسمية مالك عقار رئيساً للحركة، وإسماعيل جلاب أميناً عاماً وياسر عرمان نائباً للرئيس، وأحمد العمدة رئيساً لهيئة الأركان.

من الجهة المقابلة آلت قيادة الحركة الشعبية شمال لعبد العزيز الحلو، وتمت تسمية عمار أموم أميناً عاماً وجقود مكوار رئيساً لهيئة الأركان، وصارت كل حركة تحمل طرحاً مختلفاً ورؤية منفردة من العملية السلمية.

الموقف من الحكومة

الحركة الشعبية شمال، بقيادة الحلو، ظلت تتفاوض مع الحكومة رغم الانشقاق الذي ضرب صفوفها حيث شهدت أديس أبابا مطلع العام الحالي جولة مفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال وممثل الحركة الشعبية وقتها عمار أموم وأبكر آدم إسماعيل ومحمد يوسف أحمد المصطفى. ثم جرت جولة مفاوضات سرية بين نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، فيصل حسن إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، كانت بعيدة عن أعين الإعلام، ومن المتوقع أن تستأنف المفاوضات منتصف هذا الشهر.

على صعيد الحركة الشعيبة التي يقودها عقار وخميس جلاب، لم يحدث أن تقارب مع الحكومة أو أجرت معها مفاوضات معلنة أو سرية، بيد أن الحركة أخرجت بياناً قبل شهور خلت أعلنت من خلاله رغبتها في العودة للداخل والمشاركة في انتخابات 2020م، مع وضع اشتراطات أهمها إفساح الحريات العامة وعدم تعديل الدستور.

توحيد فصائل الحركة

مؤخراً برزت بعض الأصوات داخل الشعبية بقيادة عقار، تنادي بأهمية توحيد فصائل الحركة الشعبية. ظهر ذلك في أكثر من بيان، قالت من خلاله الحركة أنها تهدف لتوحيد فصائل الشعبية.

في السياق ذاته، تشير بعض المصادر التي تحدثت لـ(الصيحة)، إلى أن حكومة جوبا تسعى جادة بقيادة رئيسها الفريق أول سلفاكير ميارديت لتوحيد فصائل الحركة الشعبية قبل الدخول في المفاوضات مع الحكومة.

جوبا.. هل تنجح في تضميد الجراح

هنالك من يقول إن جوبا ربما تنجح في إعادة شمال الحركة الشعبية شمال، وتوحيد فصائلها خاصة وأن العلاقة بين الحلو وعقار وعرمان من جهة، وسلفاكير من جهة تعتبر علاقة أولية تربط بينهم سنوات طويلة من الكفاح المسلح، إلا أن عضو وفد التفاوض من طرف الشعبية شمال د. محمد يوسف أحمد المصطفى يستبعد نحاج مبادرة جوبا من أجل لم شمل الشعبية شمال، وقال محمد يوسف، إن سلفاكير لن ينحح في جمع شتات الحركة الشعبية، وبرر ذلك بالقول إن عقار وعرمان خرجا بمحض إرادتهما من صفوف الحركة الشعبية، ولم يتم فصلهما، بل تم إعفاؤهما من منصبيهما، بالتالي لا يمكن أن نسمي التقارب مع شخصين بالتوحد، وقال لـ(الصيحة): عقار وعرمان سعيا لتأسيس حركة شعبية، وفشلا في ذلك، وفشلا في عقد المؤتمر العام لحركتهما الجديدة. ومضى قائلاً: هؤلاء ليس لهم وجود في الميدان، وليس لديهم تأثير على القواعد، ومن المستحيل أن ينجح سلفاكير في إعادتهم للحركة الشعبية شمال، لأن عودتهم مرتبطة بالمناصب، والمؤتمر العام اختار قيادة جديدة من المستحيل إعادة هؤلاء لمناصبهم، بالتالي سيصبح أمر توحد الحركة مستحيلاً.

 

بيد أن محمد يوسف مصطفى يقول: نرحب بعودتهم لصفوف الحركة أعضاءً فقط.

 

الثلاثي… أيهم أقرب للسلام

ثمة تساؤلات عدة حول أيهما أقرب للسلام، مجموعة الحلو، أم عقار وعرمان. وهنا يقول محمد يوسف أحمد المصطفى إن الحركة الشعبية بقيادة الحلو ترغب في السلام بأي طريقة، قائلاً: فاتورة الحرب الباهظة تدفعها الحركة الشعبية شمال لأنها تحارب بجيشها وقواعد الحركة الشعبية هي المتضررة من الحرب والمكتوية بنيرانها، وقواعد الحركة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها تعاني من انعدام التعليم والصحة والغذاء.

ومضى محمد يوسف بالقول: نحن نريد السلام الدائم الذي يحقق العدالة الاجتماعية، ولا نرغب في مناصب، بل نرغب في السلام الذي يوقف زخات الرصاص، ولا نساوم من أجل منصب، بالتالي نحن نبحث عن السلام الدائم.

عرمان المساوم

هنالك من يقول إن عقار وعرمان، لا يرغبان في السلام، ولديهم أجندة سياسية مليئة بالمساومات. وقال مصدر عليم بالحركة الشعبية قطاع الشمال ــ فضل حجب اسمه ــ قال: كنت لصيقاً بعرمان قبل الانفصال وظللت أردد لقيادة الحركة أن عرمان غير مكتوٍ بنيران الحرب، لذلك يريد استمرارها لمزيد من الضغط على الحكومة وتحقيق أجندته الشخصية من خلال علاقته مع الغرب.

وأضاف المصدر لـ(الصيحة): في الفترة القادمة، لن يكون لعرمان أثر ميداني، بالتالي ربما يأتي صاغراً للسلام، ولكن لا أعتقد أنه يملك تأثيراً يجعل الحكومة تضع له اعتباراً.

طائر الحرب

موقف مالك عقار أيضاً من السلام به أكثر من قول، حيث قال المستشار السابق لعقار العمدة عبيد أبوشوتال إن مالك عقار في السابق كان طائر حرب بدليل أنه أشعل نيرانها إبان عمله والياً للنيل الأزرق. وقال أبوشوتال لـ(الصيحة): التغييرات التي هبت مؤخراً على صعيد الحركة الشعبية ستجبر عقار على قبول خيار السلام، وليس له أي خيار آخر، خاصة أنه فقد القواعد والجماهير، ولا يملك قوة عسكرية على أرض الواقع. وأضاف: الخيارات المتاحة حالياً أمام عقار ومن معه، هي قبول السلام، خاصة بعد انشقاقهم من الحركة الشعبية شمال، التي تملك التأثير الميداني ولديها جماهير.

 

التفاوض… سيناريوهات العودة

بات عسيراً توحّد الحركة الشعبية مرة أخرى، خاصة أن الخلافات التي أدت لمفاصلة الحركة كانت طبيعتها صراعاً حول قيادة الحركة الشعبية، من ثم تم حسم الأمر عبر المؤتمر العام الذي اختار قيادة منتخبة للحركة، هنا أصبحت الحكومة السودانية مهتمة بالحركة التي تملك السلاح والقواعد، وواصلت مفاوضاتها مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، بينما لم تعط الحكومة اهتماماً بمجموعة مالك عقار وياسر عرمان. حول مستقبل التفاوض مع عقار وعرمان، يرى خبراء أن الوساطة الأفريقية ربما تلجأ لإلحاق مالك عقار وياسر عرمان بمجموعة “نداء السودان”

المستقبل… خيارات التسوية والسلام

يرسم خبراء مستقبلاً متفائلاً للعلاقة بين الشعبية وفصائلها المختلفة مع الحكومة، ويرى البعض أن خيارات التسوية تبدو الأقرب مع كل الفصائل، فصيل الشعبية شمال بعد جولة جوهانسيبرج ولقاء الحلو مع فيصل إبراهيم، قرر الطرفان الدخول في مفاوضات تبدو بالمسار السياسي بدلاً من الإنساني، وذلك بعد قبول الحكومة بإرسال المساعدات الإنسانية من الداخل، بالتالي ستبدأ المفاوضات بالمسار السياسي والأمني، والأخير سيكون التفاوض حوله بوجود جيش واحد وليس جيشين، بحسب حديث فيصل حسن إبراهيم في الأيام الماضية، عطفاً على وقف أن”، ومن ثم جلوسهم مع الحكومة إلى طاولة واحدة، بينما يستمر التفاوض الحكومي مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو، على أن تتناقش مجموعة عقار وعرمان حول خارطة الطريق بكافة تفاصيلها، خاصة بعد إضافة الوساطة مقترح إضافة قانون الانتخابات والدستور لخارطة الطريق، على أن يتم التفاوض مع عبد العزيز الحلو حول الملف الإنساني والترتيبات الأمنية والسياسية الخاصة بحركتهم.

 

إطلاق النار المتفق عليه من قبل الطرفين

إذا تم إيقاف إطلاق النار لمدة زادت عن ثمانية شهور، وستستمر حتى نهاية الشهر الحالي، بالتالي ربما تساهم جولة المفاوضات القادمة في حمل الحركة الشعبية شمال إلى العملية السلمية وربما تلتحق الحركة الشعبية شمال بانتخابات 2020م.

على صعيد متصل، يتوقع مراقبون أن تساهم جولة التفاوض عبر خارطة الطريق في إقناع ياسر عرمان ومالك عقار بأهمية السلام وإعادتهما للداخل، لذا من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تسوية سياسية شاملة تساهم في تحقيق السلام، وربما تحدث متغيرات غير متوقعة تبعثر كل الأوراق مرة أخرى، فكل الخيارات تبدو متاحة في الفترة القادمة.

تقرير : عبد الرؤوف طه

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى