الطيب مصطفى

خالد موسى ومصرع قرنق

دراسة (مسبكة) في صفحة واحدة أعدها السفير (المبدع) خالد موسى غيّرت مسار تفكيري حول مصرع قرنق الذي كنت استبعد أن تكون أمريكا ضالعة فيه.

بنيت قناعاتي على أن أمريكا هي التي اكتشفت قرنق منذ أن كان طالباً في (دارالسلام) عاصمة تنزانيا التي كانت وقتها قد أخذت اسمها من توحد جزءيها (تنجانيقا وزنجبار) بعد المذبحة الكبرى التي دبرت للعرب في ديسمبر 1964 والتي شهدها قرنق وصديقه وزميل دراسته يوري موسيفيني الذي حكم أوغندا فيما بعد وكان لتلك الأحداث وقعها في نفسية قرنق وفي تبنيه مشروع السودان الجديد القائم على مبدأ (تحرير السودان) والذي التقطه الرجل من خلال تلك الثورة التي أنهت حكم عرب سلطنة عمان على زنجبار كما التقطه من نضال الأفارقة في جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا معتبراً العرب في السودان مستعمرين كحال الأوربيين في جنوب أفريقيا وكحال العرب في زنجبار .

اكتشفت أمريكا الشخصية والصفات القيادية لقرنق ومنحته بعثة أكمل فيها دراسته حتى الدكتوراه بجامعة (ايوا) وكنت أعتقد حتى وقت قريب أن (مشروع السودان الجديد) الذي خاض قرنق به حربه على السلطة المركزية في السودان سواء كانت عسكرية أو ديمقراطية .. كنت أعتقد أنه مشروع أمريكي تبنته أمريكا واستثمرت في قرنق لإقامته في السودان ولكن جزى الله خيراً السفير خالداً الذي بين معلومات ثرة خفيت عليّ وعلى كثيرين غيري.

معلوم أن قرنق لم يخف مشاعره ونواياه حين سمى حركته وجيشه بالحركة والجيش (الشعبي لتحرير السودان).

ما بيّنه خالد موسى بالوثائق والبينات الدامغة أن أمريكا لم تتبن قرنق إلا لفصل جنوب السودان وليس لإبقاء السودان موحداً وهو ما كان قرنق يعمل من أجله حتى (يتحرر السودان) تحت قيادة الجنوب مما سماه بهيمنة (الأقلية العربية).

ما أردت توضيحه في هذا المقال هو ما تبين لي من خلال التوثيق الذي دفع به السفير خالد موسى وكشف به تلك المعلومة المهمة حول الخلاف الكبير بين رؤية قرنق والرؤية الأمريكية وبالتالي دور أمريكا في مصرع قرنق بعد أن تعارضت إستراتيجيتها مع إستراتيجيته.

لن أتمكن في هذه العجالة من سرد كل البينات التي جاء بها خالد موسى لكشف الدور الأمريكي في مصرع قرنق لكني سأكتفي ببعض الوقائع.

استفاض خالد موسى في سرد ما حدث خلال آخر زيارة لقرنق لواشنطون في شتاء عام 2005 قبل توقيع اتفاقية السلام مما شهده خالد بنفسه حيث كان يعمل في سفارة السودان في العاصمة الأمريكية، وحكى عن البرود الغريب الذي استقبل به قرنق من قبل أصدقائه الامريكان الذين صدموا من إصراره على الوحدة وسعادته بمنصبه الجديد كنائب أول لرئيس جمهورية السودان وكشريك في صناعة مستقبل السودان الموحد بل رصد خالد بعض ما تفوه به بعض أصحاب قرنق القدامى خلال حفل الوداع بعد أن لعبت الخمر برؤوسهم أن قرنق (أصبح عبئاً على قضية استقلال جنوب السودان)!

بالرغم من أن خالد لم يذكر اسم ذلك(النطاسي الأكاديمي) الذي روى تلك الواقعة فإن خالداً عضّد حجته بأقوال أخرى من بعض المتحمسين الضالعين في فصل الجنوب ومنهم روجر ونتر رجل منظمة (كفاية) ورئيس وكالة الغوث الأمريكية (USAID) والذي يعتبر عرّاب انفصال الجنوب والذي كان قريباً من قرنق طوال سني الحرب فقد قال روجر ونتر في تصريحات صحفية عقب سقوط طائرة قرنق (إن واشنطون تعتقد أن سلفاكير هو القائد الفعلي الذي يحظى بدعم وقبول قادة الجيش الشعبي وأن الخلافات التي كانت موجودة أثناء قيادة قرنق للحركة ستنتهي إلى الأبد) وذكر خالد أن الصحفي الجنوبي الشهير الذي كان يرأس تحرير صحيفة (خرطوم مونتر) الفريد تعبان كان مندهشاً من تصريحات ونتر الذي لم يتفضل بكلمة وفاء في حق قرنق.

مما قاله خالد كذلك إن الرئيس موسيفيني صرح في مدينة ياي بجنوب السودان بأن قرنق قد تم اغتياله بدون أن يشير إلى أية جهة محددة.

ذلك قليل من كثير أدلى به خالد موسى في إفادته العميقة والممتعة والمهمة وليت خالداً قد اطلع على ما يعضّد ما قاله ونتر حول إجماع قادة الجيش الشعبي على انفصال الجنوب فقد اجتمعت قيادات الحيش الشعبي في رومبيك في أواخر نوفمبر 2004 أي قبل شهر من توقيع اتفاقية نيفاشا وأجمعوا تقريباً على إدانة قرنق وشنّوا هجوماً عنيفاً عليه ووصفه بعضهم بعبارة (إنك لا تعفو ولا تنسى) (U dont forgive and you dont forget) ،وكانوا مساندين لسلفاكير بشكل عجيب ..ذلك الخلاف كان قد بدا قبل فترة من ذلك اجتماع رومبيك وتواصل حتى مصرع قرنق ولا أشك أن سلفاكير كان ضالعاً في سيناريو مصرع قرنق بصورة من الصور.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى