الطاهر ساتي

(وجدوه)

:: ويُحكى أن عوض كان مُهاجِماً بأحد الأندية، وكان يتميّز بالمهارة العالية، ولكن ما إن يُواجه حارس مرمى الخصم (يعفص الكورة)، ثم يقع، وتصيح جماهير فريقه: (يا كوتش أمرق عوض دا، ياخ دا مرضنا مرض).. ولكن في إحدى المباريات، وفي شوطها الأول، تألَّق عوض وأحرز ثلاثة أهداف، وظلَّت الجماهير تهتف له.. ثم فجأة، مع بداية الشوط الثاني، راوغ عوض كل دفاع الخصم، ثم واجه حارس المرمى، ثم (عفص الكورة)، ووقع على الأرض.. وصاحت الجماهير: (بس ياهو دا عوض البنعرفو، أمرقوه)..!!

:: وقبل نصف عام تقريباً، عندما أعلنت الحكومة عن مكافحة الفساد ثم قبضت ما نسميهم بالقطط السمان، استبشرنا خيراً وشكرنا الحكومة على نهج الإصلاح والعدالة.. وما أن يتم القبض على قط سمين ليلاً، حتى كُنَّا نُصفِّق ونهتف طوال ساعات النهار بمظان أن السلطات أحرزت هدفاً لصالح العدالة والإصلاح.. ولكن يبدو أن نهج السلطات – كالعهد به دائماً – يواجه مرمى الخصم ثم (يعفص الكورة)، ثم يقع على الأرض، أي كما يفعل عوض، بدليل أن السواد الأعظم من القطط السمان خرجوا من السجون بالتسويات، ثم احتفلوا..!!

:: وما لم يكن قد تم تعديل القوانين (سراً)، فإن المُعتدي على المال العام يُعاقَب بالسجن أو بالسجن والغرامة أو بالإعدام، وليس بالتسويات.. وعليه، فإن المُسمَّاة بالتسويات مع بعض القطط السمان – أو كلهم – خارج قاعات المحاكم، تعني أن نهج الحكومة قد مضى في هذه القضية على ذات خطى النهج العام والمعروف منذ عهود بنهج (خلوها مستورة).. ولهذا يجب أن نسحب هتاف وتصفيق الأشهر الفائتة بلسان حال غاضب: (بس ياهو دا نهجكم البنعرفو، أمرقوه)..!!

:: (أمرقوه)، بمعنى ليس هناك أمل، لأن هناك نصوصاً عقابية كان يجب أن تُطبِّقها أجهزة الدولة النيابية والعدلية – بالعدل والمساواة وبلا محاباة أو محسوبية – على من اعتدوا على أموال المصارف وغيرها من الأموال العامة، قططاً سماناً كانوا أو تماسيحَ أو ثعالب.. ولم تشمل تلك النصوص عقاباً من شاكلة (التسوية) أو (الجودية)، بحيث ينفذ عبرها أي قط سمين من دائرة العدالة بلا عقاب.. وليس عدلاً ولا إصلاحاً إذا سرق الضعيف (سجنوه) وإذا سرق قطاً سميناً (ساووه)، أي سترونه بالتسويات..!!

:: ويوم أمس بالبرلمان، أعلن رئيس الجمهورية عن تشكيل مفوضية مكافحة الفساد، لتحمي ما تبقى من المال العام.. وكما تعلمون، في يناير 2014، عرضوا على البرلمان نصوص قانون المفوضية، بما فيها المادة (المادة 25). (على الرغم من أي نص قانون آخر لا يتمتع أي شخص بأي حصانة في أي إجراءات تحقيق تتخذ بواسطة المفوضية).. ولكن تم إضعاف هذه المادة بحيث تلتزم المفوضية بإخطار الجهة التي يتبع لها المطلوب للتحقيق معه، لترفع الحصانة أو تتلكأ.. أضعفوها، وليس في الأمر عجب، فالعقلاء لا يطلقون الرصاص على أنفسهم..!!

:: ومن المدهش، أن قانون المفوضية مجاز منذ (يناير 2016).. وقبل عام ونيف، عندما سألوا رئيس الوزراء السابق عن مصير المفوضية، أجابهم: (عقدت لجنة الحوار الوطني مشاورات بشأن المفوضية، ووضعت شروطاً في رئيسها، منها أن يكون قانونياً، ولديه خبرة 15 عاماً، بجانب قوميته وحياده).. وأخيراً، أي بعد بحث دؤوب – منذ يناير العام 2016 – يبدوا أنهم وجدوا الكائن الخرافي النادر المسمى بالمواطن القومي المحايد القانوني، ليتولى منصب رئيس مفوضية مكافحة الفساد..!!

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى