تحقيقات وتقارير

تكاثرت الدعوات بشأنهم “القطط السمان” ..من إخضاعهم لمحاكمة عادلة إلى قتلهم في ميدان عام

بعد أن أطلق رئيس الجمهورية، خلال خطابه أمام البرلمان في دورته السابقة مطلع مارس الماضي، حملة لمكافحة الفساد وملاحقة من أطلق عليهم حينها “القطط السمان”، تمت العديد من الإجراءات ضد عدد من كبار الرأسماليين والتجار وتم تكوين وحدة لمكافحة الفساد بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتم اعتقال عدد كبير من التجار بعضهم من قيادات المؤتمر الوطني غير أن أمد التحريات أمتد شهوراً جعل الكثيرين يهمسون جهراً بأن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه مكافحة الفساد بالبلاد.

أهم ما خرج من تلك الحملات، أن الحديث عن الفساد أصبح يُدار في الهواء الطلق لدرجة أن القيادية المخضرمة بالمؤتمر الوطني البروفيسور سعاد الفاتح المعروفة بآرائها الجريئة، طالبت خلال جلسة البرلمان أمس بقطع رقاب “القطط السمان” في ميدان عام لوضع حد لقضايا الفساد. وقالت: “لقد بلغ السيل الزبى فلا يستقيم أن تتم سرقة 500 مليار جنيه في ظل الوضع القائم”، واستنكرت أن يتم إطلاق سراح من وصفتهم باللصوص، وقالت: “قط سمين أقطع رقبتو عشان ترتاح”.. ويبدو أن حديث سعاد الفاتح وافق آراء عدد كبير من النواب، حيث ضجت القاعة لسماع حديثها، لكن ربما لا يكون من السهل تطبيق إعدام القطط السمان خارج منظومة القانون.

أجسام موازية

وفي ذات الإطار يؤكد رئيس كتلة النواب المستقلين بالبرلمان أبو القاسم برطم في حديث لـ(الصيحة) أن الحكومة لا تزال غير فاعلة في إجراءات مكافحة الفساد، مشيراً إلى أن السلطات اعتقلت مجموعة ممن أطلقت عليهم اسم “القطط السمان”، لكن سعت معهم لعقد صفقات وتسويات ، ومن ثم إطلاق سراحهم بعيداً عن القضاء، مستنكراً ألا يتم تقديم من تمكنت من اعتقالهم للقضاء رغم تطاول مدة الاعتقال لدى كثير منهم.

اتفاق على المفوضية

ويتفق برطم مع رئيس منظمة الشفافية السودانية د. الطيب مختار في أن جدية الحكومة في مكافحة الفساد ترتكز على تكوينها مفوضية الشفافية ومكافحة الفساد، مشيراً إلى أن المفوضية أقرها البرلمان وأصدر قانونها قبل عامين، إلا أن الحكومة لم تقم بتكوينها حتى الآن، ويقول مختار في حديثه لـ(الصيحة) إن مكافحة الفساد لا تتم إلا باكتمال منظومة المكافحة المتمثلة في قيام مفوضية الشفافية ومكافحة الفساد، بالإضافة لتعديل القوانين التي تحتاج للمواءمة مع الدستور وإنشاء القوانين المطلوبة، وتفعيل بعض القوانين القائمة، مبينًا أن مكافحة الفساد تحتاج ابتداء إلى تعديل القانون الجنائي بإلغاء مادة التحلل فضلاً عن تفعيل قانون حق الحصول على المعلومة وتشريع قانون حماية المبلغين عن الفساد سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وقانون حماية المستهلك، مبيناً أن مفوضية الشفافية تعد الحكم على جميع هذه القوانين باعتبارها الجهة التي تضع السياسات لمكافحة الفساد، وتعمل على تنفيذها وتنسق بين آليات مكافحة الفساد المختلفة.

فساد مقنن

وإن كان برطم ومختار، قد اتفقا على أهمية تكوين مفوضية مكافحة الفساد، إلا أن الرجلين اختلفا حول فرضية حماية الفساد بالقانون الأمر الذي جعل السلطات تسعى لعقد صفقات مع “القطط السمان” فبينما يقول برطم أن التسويات التي تتم تشير إلى أن ما قام به القطط السمان من نهب لأموال الشعب محمي بالقانون ولا توجد فيه تجاوزات قانونية، معتبراً أن ذلك يمثل الخطر الحقيقي في أن الفساد في الدولة أصبح محصناً بالقانون وبفقه السترة، ويجعل كل ما يثار حوله حرثاً في البحر لا أثر له، بينما يرى الطيب مختار أن التسويات ربما تمت في إطار ما يسمح به القانون، خاصة فيما يتعلق بالتهرب الضريبي، الأمر الذي يجعل التسويات واحدة من آليات مكافحة الفساد، غير أنه لا يستبعد أن يكون بعض الفاسدين قد استفادوا من ثغرات في القانون ضارباً المثل بمادة التحلل، موضحاً أن على الحكومة والبرلمان أن يعملا على سد الثغرات القانونية لمحاصرة الفساد في إطاره الضيق، مشدداً على أن وحدة مكافحة الفساد التي تم إنشاؤها داخل جهاز الأمن والمخابرات منوط بها فقط جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المعنية.

محاكمة عادلة

ويشير خبير قانوني ضليع بالبرلمان رفض الإفصاح عن اسمه في حديث لـ(الصيحة) أن المطالبة بإعدام “القطط السمان” في ميدان عام لا تستقيم، بيد أنه طالب أولاً بمحاكمتهم محاكمة عادلة، وإن أوقع عليهم القضاء عقوبة الإعدام فسيتم تنفيذها لكن في الأطر القانونية، مستشهداً بأن برلمانيين طالبوا من قبل بتنفيذ حكم الإعدام في مغتصبي الأطفال في الميادين العامة ، مشيراً لاستحالة ذلك الأمر كونه يحتاج إلى نصب مشانق تحتاج إلى مواصفات فنية عالية، مؤكداً أنه يدعم بشدة تشديد العقوبات على الفاسدين حتى تكون خطوة في طريق مكافحة الفساد. ويتفق الطيب مختار مع ذلك الرأي، مبيناً أهمية تقديم من يتم اتهامهم بقضايا فساد للمحكمة حتى تتم محاكمتهم محاكمة عادلة، موضحاً أن هناك العديد من القوانين الجيدة التي تتيح المحاكمة العادلة، بينما يحفظ الدستور جميع الحقوق لكل الأطراف.

خروج

بين المطالبات بإعدام القطط السمان في ميدان عام، واستحالة الانصياع لتلك المطالب، يتفق الجميع على ضرورة تمكين القضاء من إخضاعهم لمحاكمة عادلة على أن تمضي التسويات في الإطار القانوني مع التشديد على المطالبة بتكوين مفوضية الشفافية ومكافحة الفساد.. تلك روشتة وضعها خبراء تنتظر التنفيذ.

تقرير : محجوب عثمان

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى