تحقيقات وتقارير

النيل الأزرق …(20) طفلاً يموتون أسبوعياً و غياب كامل لتخصصات المخ والأعصاب والتخدير وجراحة المسالك البولية والقلب

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الصحة بولاية النيل الأزرق، إلا أن من يتجول بمستشفى الدمازين، يقف على المعاناة التي يتكبدها المرضى والكوادر الصحية في وقت واحد، فأمراض تردي البيئة وسوء التغذية أنهكت الأجساد الفقيرة وألقت بظلالها السالبة على الأطقم الطبية التي عليها أن تحدد الوصفات العلاجية لأكثر من 600 مريض يومياً، والنيل الأزرق رغم تراجع وفيات الأمهات فيها إلى مستويات دنيا، إلا أن وفيات الأطفال تنذر بوجود خطر حقيقي يستوجب التوقف عنده، حيث يغادر عشرون طفلاً الحياة أسبوعيًا بسبب الأمراض.

نسبة تردد عالية

رغم الإشادة بحدوث تحسن في الخدمة العلاجية بالولاية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن الوضع ما يزال معقداً، ويحتاج لجهود أكثر، وفي هذا الصدد، فإن تمركز المواطنين في مدينتي الدمازين والروصيرص بسبب الحرب، أسفر عن ارتفاع الضغط على المستشفيات خاصة في فصل الخريف، ويبلغ متوسط المترددين على مستشفى الدمازين في اليوم 800 مريض، وفي مستشفى الروصيرص متوسطه يفوق الأربعمائة مريض، و300 بمستشفى الصداقة، و250 لقسم النساء والتوليد، وأكثر الأمراض انتشاراً في الولاية بحسب طبيب تتمثل في الملاريا الوخيمة بنسبة تتجاوز 55% من جملة المترددين على المستشفيات بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي فيما تشكل الإسهالات نسبة 70% من أمراض الأطفال دون الخامسة، علاوة على الأمراض التي تنتشر بسبب تردي البيئة.

وفيات الأطفال

مستشفيات الولاية شهدت ثورة حقيقية في الفترة الأخيرة، أسفرت عن توفير أحدث الأجهزة الطبية وعدد مقدر من الاختصاصيين، ولكن رغم ذلك فمن أبرز القضايا التي تبدو بارزة بالمرافق الصحية خاصة بمستشفيات الروصيرص والدمازين ارتفاع نسبة وفيات الأطفال، حيث تبلغ أسبوعياً في مستشفى الدمازين أربع وفيات بالإضافة إلى ثلاث وفيات بمستشفى الروصيرص، و15 حالة بكل المستشفيات الريفية بواقع حالة وفاة لكل مستشفى ريفي.

ويقول طبيب أن السبب وراء ذلك يعود إلى ضعف الوعي الصحي للأسر، بالإضافة إلى قلة تدريب الممرضين، مبيناً أن سوء التغذية يعتبر السبب المباشر لوفيات الأطفال، وتشير إحصاءات رسمية إلى أن نسبة وفيات الأطفال تبلغ 90 حالة بين كل ألف طفل، وهي نسبة عالية تحتم إنشاء مستشفى أطفال عاجل، وهو قد تم التصديق به فعلاً، ولكن ما يزال حبيس الأدراج، كما أن هذه النسبة تحتم على وزارة الصحة الاتحادية تمييز هذه الولاية المظلومة والمتأثرة بالحروب والفقر.

أما وفيات الأمهات، فقد انخفضت هذا العام إلى 15 حالة وفاة، بعد أن بلغت العام الماضي 100 حالة، وأرجع الطبيب الانخفاض إلى الجهود التي بذلتها إدارة الصحة الإنجابية بالإضافة إلى توفير الإسعافات بمحليات النيل الأزرق وتوفير أطباء مدربين بالمستشفيات الريفية.

تحسن كبير

مدير الإدارة العامة للطب العلاجي بوزارة الصحة، الدكتور ممدوح يوسف أحمد عوض، يكشف عن أن عدد الكوادر الطبية العاملة بمؤسسات الولاية العلاجية يبلغ ألفاً بنسبة 70% من القوى العامة لوزارة الصحة بالولاية، مشيراً إلى أنه وبفضل المجهودات التي بذلها وزير الصحة بالنيل الأزرق في المرحلة الماضية، أسهمت في زيادة عدد الأطباء الذي كان يمثل هاجساً كبيراً للولاية، لجهة النقص الحاد الذي كان عنواناً بارزاً له.

وفي هذا الصدد، فإن عدد الاختصاصين وحتى خواتيم العام الماضي كان عشرة فقط في كل أنحاء النيل الأزرق وتخصصاتهم عامة، بيد أنه يؤكد ارتفاع العدد في العام 2018 إلى عشرين اختصاصياً، وأن هذا أسهم في تغطية كل مستشفيات الولاية بالتخصصات الأربعة الأساسية، بالإضافة إلى دخول تخصصات جديدة لأول مرة في النيل الأزرق منها جراحة العظام والأنف والأذن والحنجرة والجلدية.

نقص حاد

ورغم ذلك، فإن مدير الإدارة العامة للطب العلاجي يعترف بعدم وجود اختصاصيين في عدد من التخصصات منها المخ والأعصاب والتخدير وجراحة المسالك البولية والقلب والنفسية، وقال إن العمليات يتم إجراؤها بفنيي تخدير، كاشفاً عن تراجع نقل الحالات المرضية إلى الخرطوم خاصة المتعلقة بجراحة العظام لتوطين التخصص بالولاية، موضحاً أن عدد الأطباء العموميين حتى نهاية العام الماضي لم يتجاوز السبعين طبيباً، ولكنه ارتفع في هذا العام إلى 120 طبيباً تم توزيعهم على معظم مستشفيات الولاية منهم 46 بمستشفى الدمازين و24 بمستشفى الروصيرص، ويعتقد أن منسقية الخدمة الوطنية أسهمت إيجاباً في سد النقص وتعتبر شريكاً أساسياً لوزارة الصحة بالولاية، أما فيما يتعلق بنواب الاختصاصين فقد ارتفع عددهم من سبعة إلى 21 نائب اختصاصي، فيما يبلغ عدد أطباء الامتياز 30 طبيباً، غير أن الدكتور ممدوح يؤكد وجود عجز كبير في عدد الممرضين الذين يبلغ عددهم 500 فقط، فيما تحتاج الولاية إلى ألف ممرض، مرجعاً هذا النقص إلى أن مهنة التمريض لم تعد جاذبة لعدم وجود تدريب، بالإضافة إلى انعدام الحوافز، ويلمح إلى حاجة الولاية إلى خمسمائة ممرض لتغطية العجز الموجود، مبيناً وجود أزمة في عدد فنيي التخدير الذي لا يتجاوز العشرة بالإضافة إلى وجود قصور في محضري العمليات .

إسهام ومطلوبات

ويؤكد أن وزارة الصحة الاتحادية أسهمت بقدر كبير في التحسن الذي طرأ على الوضع الصحي بالولاية، قاطعاً بحدوث وفرة في الأجهزة والمعدات الطبية، غير أنه يعترف بوجود نقص في بعض المستشفيات الريفية على صعيد الأجهزة، ولكنه يشدد على أن وزارة الصحة تعمل على توطين العلاج بالريف لتقوية النظام الصحي في خمسة عشر مستشفى ريفياً، وأيضا إنشاء المزيد من المراكز الصحية التي بلغت 56 مركزاً، ونفى وجود اختصاصيين في مستشفيات المحليات بخلاف الدمازين والروصيرص، ويرجع ذلك إلى عدم توفر خدمة الكهرباء بالمستشفيات الريفية، مشيداً بخدمات التأمين الصحي الذي تبلغ تغطيته في الولاية 60%، وقال إنه يلعب أدواراً مقدرة في إسناد وزارة الصحة وخفف عليها الضغط، وظل يتعامل ويتعاون معها، ويؤكد على أن إيرادات المستشفيات تغطي 50% من منصرفاتها، معتبراً الكهرباء من أكبر البنود التي تمثل لهم هاجساً كبيراً.

ارتفاع تكلفة التشغيل

من ناحتيه، فإن وزير الصحة بالولاية الدكتور عبد الرحمن بلال بلعيد يؤكد حدوث نهضة صحية في عهده، يعتقد أن الظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون بمختلف أنحاء النيل الأزرق تحول بينهم والتوجه نحو المستشفيات الخاصة، وأن هذا بدوره أسهم في ارتفاع نسبة التردد والإقبال على المستشفيات الحكومية خاصة بالدمازين والروصيرص، وقال إن هذا رفع من الضغط على منصرفات المستشفيات التي تعتمد بشكل مباشر على مواردها الذاتية المتمثلة في رسوم الخدمة، مبيناً أن ظروف المواطنين حتمت عليهم خفض الرسوم إلى أدنى مستوى حتى يتمكنوا من الحصول على الخدمة، وضرب مثلاً بسعر الغرفة الخاصة التي تبلغ 200 جنيه فقط في اليوم، ورغم ذلك لا يوجد إقبال عليها، وقال إن ظروف المواطنين الحرجة حتمت عليهم تحديد رسم رمزي لغرفة العناية المكثفة يبلغ 300 جنيه فقط، فيما يبلغ سعر اليوم بمستشفيات العاصمة ثلاثة آلاف جنيه، ولكن في المقابل، فإن هذا ألقى بظلاله السالبة على التكلفة التشغيلية المرتفعة بالمستشفيات في ظل انخفاض الموارد، ويلفت إلى أن فاتورة الكهرباء تمثل لهم هاجساً مؤرقاً لجهة أن شركة الكهرباء تفرض تعرفة على المستشفيات العامة أعلى قيمة من الخاصة وهو أمر يبدو غريباً وقد شكل ضغطاً كبيراً على مستشفيات الولاية التي تبلغ تكلفتها الشهرية مائتي ألف جنيه.

جوانب قوة

ويؤكد وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن بلال بلعيد وجود أربع إيجابيات في الجانب الصحي بالولاية تتفوق به على عدد مقدر من ولايات البلاد، تتمثل في إيصال الدواء المجاني إلى 169 مؤسسة صحية حكومية، وهو الدواء الخاص بالأطفال والطوارئ والملاريا حيث يتم توفير مخزون استراتيجي في كل منطقة لفترة ثلاثة أشهر، وقال إن الميزة الثانية التي تتمتع بها الولاية حصول كل القابلات البالغ عددهن 955 على تدريب عالي المستوى، مباهيًا بارتفاع نسبة تغطية القابلات في الولاية بنسبة 100%، وقال إن النيل الأزرق تحتل المركز الأول على مستوى البلاد على صعيد الإحصاء والمعلومات حيث تحرص كل المؤسسات الصحية على رفع تقرير شهري عن كل ما يتعلق بالعمل الصحي، موضحاً أن الميزة الرابعة تتمثل في حجم تغطية تطعيم الأطفال التي تبلغ نسبتها 100%، وعلى صعيد المعدات والأجهزة الطبية، فقد أكدت تغطية كل المستشفيات بالمعدات الأساسية، مؤكداً أن أكبر مخزون من المعدات امتلكته الولاية خلال العامين الأخيرين، وقال إن قيمة الأجهزة الطبية والمباني التي شهدتها المرافق الصحية بلغت تكلفتها خلال عامين مائة وعشرة ملايين جنيه، ويفاخر أيضاً بإحراز الولاية ثماني درجات من جملة إحدى عشرة في قائمة التغطية الشاملة التي تتعلق بتعيين وتغطية القابلات والأطباء والمساعدين الطبيين والمباني المستهدفة والتحصيل والمعدات الطبية وإيصال الدواء وتوفر الكادر، ووفيات الأمهات والأطفال، مبيناً حدوث تراجع في وفيات الأمهات التي انخفضت من 250 إلى 115 حالة بين كل مائة ألف نتيجة توفير القابلات وعربات الإسعاف في كل محلية، كاشفاً عن تصدر النيل الأزرق قائمة العلاج المجاني في الناسور البولي حيث تبلغ تكلفة العملية الجراحية تسعة آلاف جنيه، يتم إجراؤها مجاناً بدعم من منظمة الامم المتحدة للسكان، ورغم تأكيد الدكتور بلعيد على تحقيق الكثير من الإشراقات إلا أنه يؤكد وجود مشاكل منها النقص في الاختصاصيين خاصة التخدير، المسالك البولية، القلب.

تغطية ضعيفة

ويشير الدكتور بلعيد إلى أن وزارة الصحة بالنيل الأزرق تعاني من ارتفاع الصرف، في ظل دعم متواضع من حكومة الولاية ووزارة الصحة الاتحادية، وقال إن الإمكانيات المادية المتوفرة لا تغطي سوى 30% من حاجة المستشفيات والكوادر والمرضى، ويرى أن هذا الأمر ينعكس سلباً على النظافة والبيئة والنقص في العمالة وعدم الرضاء الوظيفي، وضعف الحوافز وتردي استراحات الأطباء، إلا أنه ورغم ذلك يؤكد رضاءهم عن توفير الخدمة والرعاية الصحية رغم طموحاتهم بأن تكون أفضل من ذلك، ويرهن حدوث تحسن كامل برفع الصرف على الصحة، ويرى أن النيل الأزرق تحتاج إلى تمييز من قبل وزارة الصحة الاتحادية لظروف الحرب، ويعتقد أن الإنجازات التي تم تحقيقها والتي تسعى وزارة الصحة لترجمتها على أرض الواقع إذا لم تحظ بتوفير الإمكانيات المادية فلا يمكن أن تتنزل على أرض الواقع، ويؤكد أنه لولا دعم المنظمات لشاب الأمر الصحي بالولاية التعقيد.

واقع معقد

أكثر من طبيب التقيتهم أكدوا أنهم يعملون لدوافع إنسانية بحتة بالنيل الأزرق، فالأطباء العموميين لم يستلموا منذ ثلاثة أشهر حوافزهم، فيما لا يحظى الممرضون بحوافز شهرية وأجورهم تبدو متواضعة، ويؤكدون أنه لولا التعامل الذي يحظون به من قبل وزارة الصحة وإدارة المستشفيات لما واصلوا مسيرتهم، بصفة عامة فإن الصحة بالنيل الأزرق ورغم التحسن الكبير الذي طرأ عليها مقارنة بالماضي ما تزال تتوكأ على عصاتين، وتحتاج لدعم مركزي وولائي لأن إمكانيات وزارة الصحة لا تكفي إلا 30% من تكلفة تشغيل المستشفيات.

تحقيق : صديق رمضان

الدمازين (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى