رأي

خبير في حقوق الإنسان يكتب : السودان..المساومة الصعبة بين الاستمرار في بند الإجراءات الخاصة أو قبول مكتب المفوض السامي

*السودان : المساومة الصعبة بين الاستمرار في بند الإجراءات الخاصة أو قبول مكتب المفوض السامي

أن يأتي قرار مجلس حقوق به إشارة واضحة إلى إنهاء ولاية الخبير المستقل في مقابل فتح مكتب للمفوض السامي للسودان يتفق على مهامه الطرفان …
ربما يعتبر هذا خيار أفضل ومناسب في إطار مساومة حتمية وواقع نعيشه تتداخل فيه الكثير من المصالح ويحدث فيه الفعل ورد الفعل السياسي والحقوقي بشكل متشابك لا يكاد أن يستبينه إلا حصيف …
ومن المؤسف أن تجد ناشطاً حقوقياً يلتبس عليه الموقف السياسي فيوجه سهامه ضد فتح المكتب الذي يعتبر واحد من أهم الأليات الدولية في حماية وتطوير حقوق الإنسان في العالم ..

الواقع يقول أن هذا القرار قد رسم خارطة طريق خروج السودان من بند الإجراءات الخاصة الذي لن يخرج منه بالمجان بأي حال أو بدون المرور عبر آلية أخرى حتى يصل إلى دولة عادية في ملف حقوق الإنسان وتؤكد ذلك التجارب التي تشابه السودان على الرغم من أن السودان لا شبيه له كدولة مكثت في بند الإجراءات الخاصة منذ ربع قرن من الزمان ….

وإذا كان للمكتب إيجابية خروج السودان من بند الإجراءات الخاصة فإن أهم مخاطره تتمثل في وجود مكتب مقيم بالسودان يذهب إليه كل مشتكي ومنتهك لحقوقه في ظل حماية لحقوق إنسان معولمة مما يعني حماية قضايا نعدها من المحرمات مثل حماية الشواذ وغيرها من الانتهاكات التي تحدث في أى بلد في العالم وربما نرى مظاهرات ووقفات احتجاجية أمام هذا المكتب بالإضافة إلى تعاون علني وخفي مع المكتب من جهات متعددة من أطياف المجتمع المدني … وهذا الأمر ربما يكون مزعجاً للحكومة ولكنه من المفترض أن يكون مفرحاً للناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان الصادقين ومنظمات المجتمع المدني عموماً واستغرب أيما استغراب عندما تجد أحدهم يناصب المكتب العداء ..

وللعلم فإن مكتب المفوض السامي يعمل تجاه السودان حتى في ظل وجود الخبير المستقل ولم يتوقف والدليل على ذلك أن السودان يذكر في استعراض تقرير المفوض السامي ويذكر فيه تفاصيل دقيقة للأحداث في السودان ولا تغيب عنهم أى شاردة أو واردة ولو تمعن أى باحث في الموقع الرسمي لمكتب المفوض السامي تجده يشير إلى وجوده في السودان داخل يوناميس والآن موجود داخل اليوناميد وهذا يعنى أن المكتب بشكل علني أو مستتر موجود في السودان ومنذ فترة …

ويحدث ذلك لأن مكتب المفوض السامي يغطي الدول التي ليس له بها مكاتب بمصادر أخرى مثل يوناميد ووكالات الأمم المتحدة وصحف ومنظمات مجتمع مدني وناشطين وحتى أحزاب سياسية وللعلم فإن دول عديدة تعاني من تقارير المكتب على الرغم من أنه لا يوجد بها مكتب وتتم تغطيتها بصورة شاملة وأبرز هذه الدول هي تركيا .الصين . روسيا . مصر … ولم تسلم منه أكثر من ٤٠ دولة في تقريره الأخير سبتمبر 2018 ….

وفي هذه النقطة فإن إعلان المكتب بشكل علني في السودان يسهل عملية المتابعة لهذه التقارير ومحاججتها مع إدارة المكتب مباشرة …

وللعلم فإن للمكتب مدة اتفاق زمني قابلة للتجديد ويمكن مراجعة عمل المكاتب في كل الدول وستجد الإشارة لذلك بشكل واضح …

ونحن نطلع على القرار علينا أن ننظر إلى قرارات أخرى أبرزها قرار مجلس الأمن الذي صدر في أغسطس الماضي
2429(2018)
which requested the Government of Sudan to engage in discussions with the OHCHR as regards the establishment and activities of an office in Sudan with a full mandate for human rights protection and promotion;

وهذا القرار مقروء مع قرار مجلس حقوق الإنسان في الدورة 36/2017 الذي يشير إلى وجود آلية مناسبة.

وكذلك إلى تقرير الخبير المستقل الأخير في يوليو ٢٠١٨ وتوصيته بفتح مكتب للمفوض السامي بالسودان.

نصل إلى أن الفاعلين في الأمم المتحدة يرسمون خروج السودان بوضوح تجاه مكتب للمفوض السامي بكامل الولاية على السودان…
وهنا لا بد أن نلاحظ أن قرار مجلس الأمن الذي طلب فيه من السودان الدخول مع مكتب المفوض السامي في نقاش حول فتح مكتب قطري للمفوض السامي كان قد جاء في ثنايا القرار الخاص بتخفيض اليوناميد بالسودان.

ولو اعتبرنا ذلك في إطار  المساومة البحتة نجد أن مسألة المكتب هي الهدف الذي تسعي إليه آليات الأمم المتحدة ولكن قد يكون بمقابل الخروج من بند الإجراءات الخاصة ولو صدر القرار من مجلس حقوق الإنسان أو بدون مقابل لو صدر من مجلس الأمن، وبالتالي فإنه من الأفضل أن يكون بمقابل وأن يكون مكتب لتقديم العون الفني وبناء القدرات فقط.

مهمة السودان الآن إجراء دراسات عميقة حول أنواع هذه المكاتب والانتقال إلى مساومة أخرى مع مكتب المفوض السامي بحيث يتم القبول على مكتب كما يريد السودان أو العودة للخبير المستقل إذا كان التفاوض عسيراً حتى لا يكون فتح المكتب أسوأ من وضعه الحالي في الإجراءات الخاصة.

ومؤكد أن مكتب المفوض السامي بموظفيه يسيل لعابهم ومصالحهم حتى الشخصية في فتح مكتب.

وهنا يأتي التشديد على أهمية رفع سقف التفاوض لأفضل خيارات المكاتب لأن القرار مرجعيته القرار ٤٨/121 وهو ما يعني مرونة في اختيار ما يناسب السودان مع عدم إغفال أن مفاوضي المكتب سيبذلون قصاري جهدهم للحصول على مكتب كامل الدسم.

والدراسات الأولية حول فتح مكتب المفوض السامي مستصحبين قائمة الدول التي لها مكاتب وسننضم إلى قائمتها قطر,وتونس,وموريتانيا وليبيا واليمن ولبنان والسعودية التي لها مشروع دعم تقنى يديره مكتب المفوض السامي وسيفارق السودان قائمة الإجراءات الخاصة التي أدرج فيها منذ العام 1993 ومع السودان منذ ذلك الحين إسرائيل وماينمار وكوريا الشمالية
ودخلت دول أخري وخرجت … كما تشير إلى أن السودان أقرب إلى تجربة كولمبيا.

وسعي الحكومة في الوصول إلى مكتب لتنفيذ البند العاشر الذي كان فيه السودان وهو ما يعنى أن يعمل هذا المكتب في تقديم المساعدة الفنية والتقنية وبناء القدرات وليس أنه مكتباً يأتي للسودان ويتعامل معه كدولة في البند الرابع أي أن بها انتهاكات استرعت انتباه المجلس وبالتالي يعمل هذا المكتب في الرصد والتحقيق والرقابة.

أو أسوأ من ذلك في تكوين لجان التحقيق الدولية بغير إذن حكومة السودان وانتهاك سيادتها يعتبر سعياً مشروعاً ومنطقياً وعلى الحكومة أن لا تبالغ في التخوف وهى تمتلك خبرات ضخمة في التعامل مع هذه الآليات وأبرزها يوناميد ويوناميس.

وأن تسعي الحكومة إلى رسم خطة استراتيجية لكافة علاقاتها مع الآليات الدولية تنتهى بها إلى الانتقال من حالة العداء والكيد إلى حالة كفكفة استغلالها سياسياً بواسطة الآخر وتوظيفها لتحقيق أهداف غير حقوقية إلى حالة تعاون وتنسيق وفق مواثيق ومباديء الأمم المتحدة
ولو حدث هذا الأمر فان السيناريو المتوقع لهذا المكتب هو رفعه لعدد من التقارير الشفهية لمجلس حقوق الإنسان ثم ينتقل من ذلك إلى بيان رئاسي من رئيس مجلس حقوق الإنسان وحينها لن تكون هناك جلسة خاصة بالسودان وهذه هي المهمة المستقبلية بعد أن يعمل المكتب ويصل إلى ذات المرحلة التي وصل إليها الخبير المستقل بأن هناك تحسن في حالة حقوق الإنسان في السودان.
ختاماً
أولاً : أن الغرب لا ينشغل بحرية التعبير والتجمع السلمي والاختفاء القسري والاعتقال مثل انشغاله بقضايا الهجرة والاتجار بالبشر والاسلاموفوبيا واستقبال اللاجئين واستضافتهم في السودان ، الغرب يفكر في ذاته ومصالحه ويقدمها على كل شيء وإن كان يصدح في الإعلام بالحريات والتعبير فانه همساً يعترف أنها ليست أولوياته بل أنه يذكرها في إطار إسكات الرأي العام في بلدان الغرب وككرت سياسي للسودان، وبالتالي للسودان الآن كرت قوي جداً جداً في تقدمات انجزها في ملفات تهم الغرب وترضي رغباته.

ثانياً : كل أمر حقوق الإنسان يأتي في سياق الإرادة التي نرجو أن تكون متوفرة لحماية وتطوير حقوق الإنسان بالسودان وهذه الإرادة لو توفرت وتمت المصادقة والانضمام إلى اتفاقيات حقوق الإنسان التي لم ينضم أو يصادق عليها، وأن لو اشتغلت الآليات الوطنية بقوة ووعي حسم في قضايا حقوق الإنسان، لن يكون هناك أي تخوف من أي مكتب وبالتالي نتمنى أن تعمل هذه الآليات بكل مهنية وقوة وأن يتم تفعيل وترقية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمفوضية القومية لحقوق الإنسان وحينها سيكون المكتب شريك لا خصيم .

• خبير في حقوق الإنسان
الخرطوم (كوش نيوز)

 

ع .ع

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى