الطيب مصطفى

بين معتز ومعاش الناس ومخرجات الحوار (3)

لا أزال أواصل الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تُمسك بخناق البلاد والعباد، مخاطباً بذلك رئيس الوزراء معتز موسى الذي يتولَّى في ذات الوقت منصب وزير المالية.

وإذا كنتُ قد ركّزتُ في مقال الأمس على أهمية إعمال مبدأ ولاية وزارة المالية على المال العام والذي أعتبره حتى الآن (فريضة غائبة) من شأن تفعيلها بالشكل المطلوب أن يُحدث طفرة كبيرة في الأداء الاقتصادي ويُرفده بموارد هائلة كانت مُهدرة (ومجنّبة) في مستنقع فساد كبير تسوده شركات القطاع العام، فإن على رئيس الوزراء من خلال وزارة المالية أن يبدأ عملية الإصلاح من خلال تفعيل تلك الوزارة المهمة بصفتها الحفيظ على المال العام والموجِّهة لمسيرة الإصلاح الاقتصادي، وقد أسعدني كثيراً إعلانه عن تكوين مجلس للتخطيط الاقتصادي يضم أهل الخبرة والكفاءة حتى يكون بديلاً للعشوائية و(الخرمجة) التي سادت حياتنا خلال الأشهر الماضية وأحالت حياة المواطنين إلى جحيم لا يُطاق.

لقد عانى المواطنون كثيراً من أزمة الأشهر الماضية وتحلوا بصبر أيوبي وهم يواجهون الندرة في أهم وسائل حياتهم بما في ذلك الخبز والوقود والغاز وأزمة السيولة، التي لم يشهد السودان لها مثيلاً منذ الاستقلال، وما أقسى أن يُحرم المواطنون بل الفقراء منهم من أموالهم الشحيحة المودَعة لدى البنوك، فقد والله أرسلتُ صباح أمس من يصرف لي شيكاً بقيمة ثلاثة آلاف جنيه فووجِه باعتذار (غليظ) اضطرني إلى استخدام الواسطة نظراً لحاجتي الماسة إلى المبلغ!

أقولها باقتناع أقسم عليه ـن هذه الحكومة لم تشهد تململاً وغضبا ًومعارضة اجتاحت الأسافير والبيوت والصفوف المتراصة مثلما حدث جراء (كارثة) حرمان الناس من أموالهم، فمن تُراه تسبّب في تلك الأزمة التي أفقدت الناس الثقة في النظام المصرفي بصورة يصعُب علاجها؟

على رئيس الوزراء وزير المالية، أن يضع إعادة الثقة في النظام المصرفي في مقدمة اهتماماته من خلال خطة مُحكمة ليس بالضرورة أن تؤتي أكلها بين عشية وضحاها إنما خلال فترة زمنية وبرنامج تنفيذي متدرِّج يبدأ عقب حل أزمة السيولة التي ينبغي أن تحتل أولوية قصوى وأن يصحبها معالجات تُنهي مسلسل الندرة وتقضي عليه إلى الأبد.

مما يبعث على الأمل أن رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية أعطيا القوس لباريها، وأتيا بخبير معتّق لا يُشَق له غبار على رأس بنك السودان هو د. محمد خير الزبير مما يُبشر بانتهاء مرحلة العشوائية التي بدأت منذ مطلع العام مع موازنة (عام الرمادة) التي لا نزال نتلظَّى بسعيرها.

كتبنا كثيراً عن إصلاح الخدمة المدنية التي يُعشعش فيها الفساد، كما كتبنا عن الحكم الفيدرالي الذي يمثل قفزة مجنونة – غير محسوبة – في الهواء أرهقت خزانة الدولة وعطّلت مسيرة التنمية، وقسّمت السودان إلى قبائل وجهويات وضربت مسيرة انصهار الشعب السوداني وخلق هوية (سودانية) مشتركة بين مكوناته وكثيراً ما يلُح عليَّ شعور قوي أن الحكم الفيدرالي المُطبَّق الآن عبارة عن مؤامرة متعدِّدة الرؤوس (ابتلعها وتقيأها) على رأس السودان صانع القرار السوداني في لحظة غفلة كبرى.

يعلم معتز أن هناك حواراً وطنياً أفضى إلى مخرجات واجبة التنفيذ بعد أن تعهّد بها رئيس الجمهورية الذي ابتدر ذلك الحوار بُغية إيجاد معالجات للأزمة السياسية التي تُمسك بخناق الوطن، وعليه أن يُولِي تلك المخرجات اهتماماً كبيراً سيما وأن الحوار مقصود به نقل بلادنا إلى حكم ديمقراطي راشد، يتم تداوُل السلطة فيه عبر صندوق الانتخابات لا صندوق الذخيرة، وكنت أتوقَّع أن يتم التطرُّق إلى هذا الأمر خلال الاجتماع الأول لمجلس الوزراء والتأكيد على إنفاذه.

أخيرًا، وليس آخراً أقول مخاطباً السيد رئيس الوزراء: إن قانون الشفافية ومكافحة الفساد أُجيز من المجلس الوطني في يناير 2016 أي قبل ما يقرُب من ثلاث سنوات، ولم يصدُر قرار بتفعيله من خلال إنشاء مفوضية مكافحة الفساد، وسألنا داخل البرلمان ولم نجد إجابة ولم ندرِ سبباً لعدم تفعيله بل لم نجد سبباً حتى لتقديمه للبرلمان إذا كان مقدموه ليسوا حريصين على محاربة الفساد!

نثق أنك ستولي هذا الأمر اهتماماً أكبر سيما وأنك قد أعلنتَ الحرب على الفساد.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى