الطيب مصطفى

بين معتز موسى وولاية المالية على المال العام (2)

كنتُ قد أنهيتُ مقال الأمس بحض رئيس الوزراء معتز موسى على ألا يبدأ مشواره بالصدمة التي (توعّد) بها المواطنين، حتى لا يصدهم عنه ويحيل تفاؤلهم بمقدمه إلى تشاؤم، كما ذكّرته بأهمية عقد لقاء مكاشفة دوري عبر الإعلام يصارح فيه المواطنين بما يعتزم فعله لمعالجة الأوضاع المتردية، فشعبُنا والحمد لله يتحلّى بوعي سياسي كبير وبخلُق رفيع يُيسّر التعامل معه، وبطبع نبيل يُعلي من قيم الصفح والإعذار .

سعدتُ بإيكال منصب وزير المالية إلى رئيس الوزراء، بعد أن ساقت أقدار الله، الأمر إلى هذا الترتيب، بعد اعتذار عبد الله حمدوك عن تولّي المنصب الوزاري، فكلا الموقعين لا غنى لأحدهما عن الآخر، وهما يحتلان الآن قمة هرم السلطة التنفيذية من حيث أهمية اللحظة الراهنة فلا شيء يعلو على الأزمة الاقتصادية، وقد بلغ ضنك العيش وعُسره بالناس مبلغاً عظيماً.

يجدُر بي أن أسال قبل أن أجيب: لماذا تشتد الحاجة إلى الجمع بين الموقعين؟

يُشرّق الناس ويُغرّبون حول الأزمة، ولكنهم يتجاهلون عنصراً مهماً أعتبره من أهم أسبابها يتمثل في عجز وزارة المالية منذ عقود عن فرض شعار ولايتها على المال العام إلا على عدد محدود من الوزارات والمؤسسات، بينما تعذّر عليها إرغام مراكز القوى التي تتمتّع بسلطة تعلو على سلطة وزير المالية.

الآن وقد تولّى رئيس الوزراء منصب وزير المالية، فإننا نتطلّع إلى إصلاح كبير يُرغم القطط السمان في مرافق الدولة على الانصياع لولايته كرئيس للوزراء ووزير للمالية.

صدّقوني إن قلتُ لكم إن هذه القوى تمتلك مئات الشركات الحكومية الضخمة التي لا يعلم أحد شيئاً عن أموالها وأرباحها وكيفية إدارتها للمال العام، بل إن خطرها يمتد إلى تعويق القطاع الخاص الذي تنافسه حتى في إنشاء شركات الليموزين والدلالات ناهيك عن شركات التعدين وغيرها من موارد المال الوفير .

شهدتُ بعيني رأسي عند تقديم موازنة الدولة للبرلمان تقارير بإيرادات (صفرية) مقدّمة من بعض الجهات والمؤسسات ذات النفوذ، وعندما سألنا لم يجُد علينا مقدمو التقارير بأية إجابة مقنعة أو حتى غير مقنعة!

كوّنت وزارة المالية لجنة للتخلّص من الشركات الحكومية منذ أكثر من عقدين من الزمان، وبدلاً من بيعها زادت أعداد تلك الشركات التي أسهمت في تدمير كل نظم الخدمة المدنية، حيث يتمتع المحظوظون ممن ينتقلون للعمل فيها بشروط خدمة لا علاقة لها بالهيكل الوظيفي المعمول به في أجهزة ومؤسسات الدولة، بل إن بعض العاملين في تلك الشركات يتقاضون رواتبهم بالدولار !

لا أستثني حتى شركات الكهرباء التي نشأت بالخطأ جراء صدور ذلك القانون المعيب (قانون الهيئات) الذي قُصد منه تحقيق شعار ولاية المالية على المؤسسات الحكومية، لكنه لم يُحقّق شيئاً من أهدافه، فقد عجز عن إرغام مراكز القوى على الانصياع لوزارة المالية، لكنه في ذات الوقت ألغى قوانين الوزارات والهيئات والمؤسسات الضعيفة وجعلها تصدُر بأوامر تأسيس تحت سلطان قانون الهيئات الذي لا يسود إلا على الضعفاء، أما الأقوياء فقد ظلّت قوانينهم سارية!

كان بإمكان الهيئة القومية للكهرباء مثلاً أن تصدُر بقانون يُبقي عليها على حالها بذات المنطق الذي أقنعنا به القطاع الاقتصادي الوزاري حول ضرورة إبقاء قانون يحكم قطاع الاتصالات بدلاً من أمر تأسيس، وكذلك فعلت كثير من المؤسسات، ولكن هيئة الكهرباء اختارت طريقاً آخر أسوأ – في نظري- من القانون، حيث مضت إلى إنشاء شركات زادت الطين بلة!

ليت الأخ معتز، وقد خرج من عباءة الكهرباء إلى موقع يحكم كل أجهزة الدولة أن يُعيد النظر في شركات الكهرباء في إطار مراجعة كاملة لكل الشركات الحكومية التي تُجنّب المال العام وتُهدره بعيداً عن الأولويات الوطنية.

اعلم أخي معتز أن هناك بعض المؤسسات التي تستحق معاملة خاصة مثل التصنيع الحربي الذي يحتل خصوصية تستحق استثناءً، لكن كل ما عدا ذلك من شركات تتبع لوزارات وأجهزة ينبغي أن تُراجَع لتخضع لسلطان وزارة المالية التي أتت بك أقدار الله تعالى لتضع شعارها القديم موضع التنفيذ مستقوياً بسلطانك وسلطة رئيس الوزراء السائدة على جميع أجهزة الدولة للقضاء على (الاقتصاد الموازي)، الذي تُقيمه مراكز قوى وجهات كثيرة تُجنّب المال العام، وتفعل به ما تشاء بعيداً عن وزارة المالية والأجهزة الرقابية، ذلك أن الدولة تخسر المبالغ الطائلة كما يخسر القطاع الخاص المغلول اليد عن الانطلاق جراء تغوّل أولئك السمان (الحقيقيين) الذين لم تضع الدولة يدها عليهم.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى