نمهد لكلمتنا هذه بحكاية من الوالد..
*فوالدي – عليه الرحمة – قال إنه نُقل إلى شندي في بداية حياته العملية..
*وطُلب منه الانتظار ريثما يتم توفير بيت له..
*وقيل له أن ثمة منزلاً جميلاً – ذا حديقة غناء – بيد إنه (مسكون)..
*وسبب (لعنته) أن ضابطين قتلا نفسيهما فيه بالرصاص..
*ومنذ ذلك الوقت باتت أصوات طلقات الذخيرة تدوي بين جنباته ليلاً..
*ولم يجرؤ أحد على السكن فيه رغم مغرياته…وشجيراته..
*فطلب الوالد منحه المنزل غير عابئ بتوسلات الإشفاق…من تلقاء الزملاء..
*ولبث فيه من عمره سنين…لم يصادف خلالها (شبحاً)..
*أما أصوات الرصاص – ليلاً – فلم تكن سوى اصطفاق النوافذ بفعل الريح..
*وكل القصة بدأت بعقل (غير محصن)…ثم انداحت..
*وفي كلمة سابقة – قبل أيام – أشرت إلى ضرورة تحصين العقول بجرعات منطق..
*وتحدثت عن عدوى نفسية…لا تقل خطراً عن الفيروسية..
*واستشهدت بأمثلة عدة…منها حادثة مدرسة (السرايا) – دنقلا – قبل سنوات..
*وكذلك حادثة إصابة طالبات – جماعياً – بالزائدة الدودية..
*ثم حادثة الضحك الهستيري الجماعي – بمصر – دون سبب..
*فدائماً ما تبدأ العدوى بعقل واحد (ضعيف المناعة) حيال المرعبات… والخرافات..
*ثم تنتقل إلى عقول متشابهة…بنسب مناعة متفاوتة..
*وتكثر مثل هذه العقول في المجتمعات التي تكثر فيها ظاهرة الإيمان بالخوارق..
*وكذلك ظاهرة تقديس الشيوخ…والفراعين..
*وسلاطين في كتابه قال إن المهدي فُتن به الناس كشيخ دين – ذي كرامات – أولاً..
*ثم قدسوه – من بعد ذلك – كقائد سياسي خارق…ومنقذ..
*وبدأت (عدوى) الافتتان – ثم التقديس – ببسطاء…ثم انتقلت لعلماء ؛ أقل بساطةً..
*وعقب كلمتي هذه بيومين وقعت حادثة طالبات ربك..
*فقد انتقلت عدوى الإغماء – دونما سبب – من طالبة (مذعورة) واحدة إلى الأخريات..
*ولو كانت عقولهن محصنة بقليل منطق وعلم نفس لما أُغمي عليهن..
*ولا أدري سبب حجب مادتي (التحصين) هاتين عن مدارسنا..
*فليس بالرياضيات وحدها ينمو العقل ؛ ولا الجغرافيا…ولا التاريخ…ولا الكيمياء..
*بل لابد من مبادئ الفلسفة…وأساسيات علم النفس..
*وقبل أعوام هاتفني ليلاً سكرتير تحرير صحيفة كنت أعمل بها…مذعوراً..
*وسبب الذعر كلمةٌ لي قال إن فيها تجاوزاً لخط أحمر..
*ثم هاتفني بعده مدير التحرير ليعيد على مسامعي الكلام ذاته..
*فعلمت أن عدوى الرعب انتقلت من عقل…إلى ثانٍ…إلى ثالث؛ بلا (منطق)..
*وخبطات نوافذ بيت مهجور قد يسمعها عقلٌ دويَّ رصاص..
*فتجزم عقولٌ بأن (البيت مسكون) !!!.