من “محمد جلاس” إلى “ياسر بشير” مديرو مكاتب الرئيس.. كاتمو أسرار القصر

فجأة، وعلى غير العادة، تحرك مسرعاً من موقعه الذي كان يجلس عليه، برتوكوليًا، بدأ تصرفه غريباً وربما متجاوزاً للأعراف، غير أن الشاب الذي يرتدي بزة عسكرية أنيقة ويحمل على كتفه نجمتين تلمعان وشعار السودان صقر الجديان، وهذا يعني أنه يحمل رتبة عقيد، ويبدو أنه وبحدسه الأمني يقرأ أفكار القيادي الجنوبي باقان أموم لحظة إنزال العلم السوداني ورفع العلم الجنوبي بجوبا في التاسع من يوليو عام 2011، فقد وصل إلى موقع السارية ووقف حائلاً أمام تنفيذ مخطط ربما دار في أذهان المتشددين في الدولة الوليدة لإهانة علم الدولة التي كانوا جزءاً منها ليتسلم علم السودان، ولم يكتف بذلك، بل طبع عليه قبلة أعقبتها دمعة، عقيد الأمس الذي كان يجلس خلف رئيس الجمهورية بصفته كبير الياوران فإنه بات عميداً اليوم ليحوز على ثقة مؤسسة الرئاسة ليتم تكليفه بمنصب السكرتير لمكتب الرئيس.

كاتم الأسرار والمهمة الجديدة

العميد ياسر بشير، الذي كثيراً ما التقطته العدسات وهو يجلس خلف المشير البشير بوصفه ياور رئيس الجمهورية، فإن موقفه في جوبا كان مثار إعجاب الكثيرين الذين تابعوا بمشاعر متناقضة احتفال الجنوب بانفصاله قبل ثمانية أعوام، إثر ذلك فإن مجموعة ناشطة في المملكة العربية السعودية لم تكتف بتكريمه وحسب عند مرافقته رئيس الجمهورية إلى المملكة السعودية عقب مرور ثمانية أيام على موقفه بجوبا، بل أهدته علم السودان معطراً بعطر الكعبة الشريفة.

العميد ياسر البشير عبد الله، الذي تم تعيينه سكرتيراً لمكتب الرئيس، من مواليد الولاية الشمالية، ومن منسوبي الدفعة 38 بالكلية الحربية، عمل في جميع الوحدات العسكرية وآخر منصب تولاه قبل تكليفه الأخير كان كبير الياوران بالقصر الجمهوري.

العميد لا يعتبر غريباً على العمل المكتبي رغم مهامه الميدانية، فقد ظل مديراً لمكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عمر البشير منذ العام 2009، حينما خلف العميد أمين علي عبد الله في هذا المنصب، ويعتبر أول من يتولى منصب سكرتير مكتب الرئيس عقب إلغاء المسمى الوظيفي لمدير مكتب رئيس الجمهورية في إطار سياسة التقشف وتقليص الطاقم الوزاري.

جلاس يجلس في المنصب

ويأتي العميد ياسر بشير امتداداً لعدد من الذين تولوا هذا المنصب بمسمياته المختلفة، ويعتبر محمد هاشم جلاس أول من تولى منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية، وذلك عقب أربعة أيام من انقلاب الإنقاذ في الثلاثين من يونيو عام 1989 وحاز الرجل الذي نشأ مع المشير البشير في حي كوبر العريق ببحري على ثقة العميد وقتها عمر البشير، والذي كان سببًا في دخول جلاس إلى الكلية الحربية عندما كان من الذين عملوا على تزكيته، وكان وقتها البشير في رتبة الرائد، وهو القائل قبل ليلة انقلاب الإنقاذ لمجموعة من أصدقائه الضباط: (لو كان في رجل واحد يقلبها فهو العميد عمر حسن أحمد البشير)، الغريب في الأمر أن جلاس الذي تم تعيينه بعد أربعة أيام من الانقلاب تسلم مهامه من فتحي عبد الغفور مدير مكتب السيد أحمد الميرغني في الديمقراطية الثالثة، يقول جلاس في حوار توثيقي للزميلة “المجهر” إن سلفه في المنصب فتحي عبد الغفور بعد أن أجرى معه عملية التسليم والتسلم جلس معه وعمل على تدريبه على طريقة العمل والقوانين وسلطات رئيس الجمهورية، ظل جلاس مديراً لمكتب الرئيس لـ12 عاماً، منها عامان بالقصر الجمهوري وعشرة بالقيادة العامة، إلى أن اختار بإرادته إنهاء خدمته بالقوات المسلحة حيث تقدم باستقالته، إلا أنها ظلت معلقة لعام وستة أشهر، كان جلاس مثالاً لضابط القوات المسلحة المنضبط الذي يؤدي مهمته في صمت، هنا لابد من الإشارة إلى أن اثنين من الذين جلسوا في منصب مدير مكتب الرئيس وهما “أحمد مجذوب شاور ومحمد آدم” وكلاهما يحملان درجة السفير، وهذا يعني أنهما من المدنيين، محمد آدم كان سفير السودان في ماليزيا وحالياً سفير بالاتحاد الأفريقي.

الفريق هاشم وعقد من الزمان

في الثمانية عشر عاماً الأخيرة، فإن الذين تولوا منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية بلغوا ستة جاء سابعهم العميد ياسر بشير الذي تم تعيينه أخيراً سكرتيراً، كان أبرزهم الفريق أول هاشم عثمان الذي تم تعيينه في العام 2000 مديرًا لمكتب رئيس الجمهورية وبعد مرور ثمانية عشر عامًا من ذات التكليف، فإن التغيير الوزاري الأخير جاء بالحسين والياً على ولاية الخرطوم، الفريق أول هاشم المولود في العام 1957 بالمتمة بنهر النيل، درس مراحله الأولية بشرق البلاد ثم تخرج في جامعة الخرطوم كلية العلوم، ثم التحق بالشرطة التي عمل في معظم إداراتها ومنها المباحث المركزية والنظام العام إلى أن تم تعيينه في العام 2000 مديراً لمكتب رئيس الجمهورية، وكان أيضاً يتصف بالانضباط والمهنية التي جعلته يحوز على ثقة رئيس الجمهورية لتسعة أعوام ظل خلالها كاتمًا لأسراره ومنظماً لعمله إلى أن تم تعيينه في العام 2009 مديراً عاماً لقوات الشرطة، وبعد مرور تسعة أعوام من ذلك التكليف، يتولى منصب والي الخرطوم.

الفريق طه وصلاحيات واسعة

ثم ذهب المنصب الحساس إلى الفريق أول طه عثمان المولود بمنطقة كبوشية بنهر النيل، والذي درس بجامعتي الأهلية والقاهرة فرع الخرطوم، وعمل في عدد من المناصب قبل أن يرشحه البروفيسور إبراهيم أحمد عمر ليكون سكرتيراً لمكتب رئيس حزب المؤتمر الوطني بالمركز العام، لتمر الأيام بالضابط الإداري طه ويصبح مديراً لمكتب رئيس الجمهورية بالقصر الجمهوري إلى أن تمت إقالته في النصف الأول من يونيو العام الماضي، شهدت فترته الكثير من الأحداث، وكان شخصية مثيرة للجدل وطاردته الكثير من الاتهامات التي ذهبت في ناحية تجاوزه لصلاحياته ومحاولاته تشكيل مركز قوى بالاستفادة من الثقة التي منحها له رئيس الجمهورية، وجد قرار إعفائه ارتياحاً كبيراً وسط بعض الدوائر، وكان رئيس الوزراء السابق الفريق أول ركن بكري حسن صالح، حينما أعلن حكومته في مايو الماضي لم يعلن اسم الفريق طه ضمن أسماء الوزراء، وتلك كانت إشارة إلى أنه لم يعد مرغوبًا في وجوده بالقصر الجمهوري ولكن تم تعيينه بمرسوم جمهوري منفصل، وعقب إبعاده اختار الاستقرار بالمملكة العربية السعودية التي منحته جنسيتها وأسندت إليه مهمة مستشار، آخر المهام التي قام بها الفريق طه، كانت مشاركته في القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض مايو من العام الماضي، ممثلاً للرئيس البشير.

حاتم والتكليف لعام

عقب إعفاء طه عثمان، فإن الاختيار وقع على حاتم حسن بخيت، وهو من خارج المؤسسة العسكرية ومن مواليد العام 1959، درس العلوم السياسية بجامعة بغداد وتدرج في سلك الضباط التنفيذيين إلى أن التحق بالعمل في رئاسة مجلس الوزراء في العام ١٩٨١ حيث تولى عدة مواقع منها مدير الإدارة السياسة ومدير مركز دعم القرار، وظل الرجل يؤدي مهام هذا المنصب بعيداً عن الأضواء منتهجاً خطاً يختلف كلياً عن سلفه الفريق أول طه عثمان، في تشكيلة رئيس الوزراء معتز موسى، فقد جاء اسمه وزير دولة بمجلس الوزراء، فجأة لمع اسم العميد ياسر بشير سكرتيراً لمكتب الرئيس.

بين العسكريين والمدنيين

يقول السكرتير الصحفي الأسبق لرئيس الجمهورية محجوب فضل بدري إنه لا يوجد فرق من حيث المهام بين مدير وسكرتير مكتب رئيس الجمهورية، إلا أن بدري، وفي حديث لـ(الصيحة) يلفت إلى أن الرئيس أراد من خفض الدرجة الوظيفية لمنصب مدير مكتبه تقديم النموذج العملي لحرصه على خفض الإنفاق العام، معتبراً تولي العميد ياسر بشير لمنصب السكرتير قراراً صائباً لجهة أنه سكرتير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة وتعيينه سكرتيراً لمكتب الرئيس يعني أداء شخص واحد للمهمتين، وفي هذا أيضاً خفض للإنفاق، ويعتقد بدري أن تولي عسكري منصب سكرتير الرئيس أمر موفق لجهة اتساقه مع ذات روح رئيس الجمهورية صاحب الخلفية العسكرية، وتوقع محجوب فضل بدري أن يحقق ياسر بشير نجاحاً باهراً في مهمته.

تقرير : صديق رمضان

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

Exit mobile version