الطيب مصطفى

ما يؤمله المواطن في معتز (1)

ولا نزال نُواصل استعراض وتحليل التغيير السياسي والتعديل الوزاري الأخير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

أقول ابتداءً إنني لستُ ممن ينطلقون، عند تقويمهم لأي مستجدات طارئة على المشهد السياسي، من مواقف مسبّقة تستبطن العداء أو الود الذي لا ينظر إلا بعين السخط أو الرضا، فذلك شأن الخاضعين لسلطان النفس الأمّارة، حباً وبغضاً، فقد أمر الله المؤمنين بالقوامة بالقسط وبالشهادة لله حتى يستقيم ميزان العدل بعيداً عن خطيئة إخسار الميزان والتطفيف التي توعّد الله تعالى مقترفيها بالويل والثبور.

لا أدَّعي أن ما أقوله عن رأي الشارع يُعبّر عن قراءة صحيحة مئة بالمئة مبنية على بحث استقصائي وإحصائي دقيق، ولكني أزعم أنه أقرب إلى الصحة سيما وأنه انبنى على مطالعات شتى في وسائط التواصل الاجتماعي واستطلاع محدود لآراء الناس واطلاع على ما تناولته بعض الصحف ووكالات الأنباء.

لقد تفاعل الناس بكثافة مع القرار الأول القاضي بإعفاء الحكومة، الأمر الذي يشي برغبة عارمة لدى المواطنين وأمل كبير في أن يُحدِث ذلك القرار تغييراً حقيقياً في الواقع المعيشي المأزوم الذي عانى منه المواطنون سيما وأنهم قد تداولوا عدداً من مقاطع الفيديو التي تحكي عن قوة حُجة وصدق رئيس الوزراء معتز موسى، ولم أشهد أية مادة قادحة في الرجل إلا (بوست) واحد، لم يكن يُعبّر عن واقعة حقيقية، إنما كان مجرد (فبركة) ساذجة من شخص مبغض ينطلق من عداء أيديولوجي سافر، وقام عدد من المُعقّبين برجم ذلك القادح الشانئ.

بعد ذلك حدث تراجُع في موجة التفاؤل، وضجّت الأسافير بتعبير الكثيرين عن خيبة الأمل بعد الإعلان عن التشكيل الوزاري، وكثُر التعليق عن (تدوير) كثير من الوجوه القديمة، وزاد الطين بلة اعتذار وزير المالية المُعيّن د.عبد الله حمدوك الذي تحوّل إلى أسطورة جراء الدعاية الكثيفة والتداوُل الإسفيري حول سيرته ومؤهلاته وخبراته (الدولية)، بعد أن أمسك الناس أنفاسهم في انتظار أخباره، ولا شك في أن ذلك ما كان ليحدُث لولا الأزمة الاقتصادية الخانقة التي جعلت الرجل بمثابة الأمل المُرتجى لوضع روشتة العلاج الناجع بعد فشل جميع التدابير السابقة، والمُخلّص والمنقذ الأكبر الذي يحمل في جيبه مفاتيح الحل للأزمة وكنوز الثراء والرفاهية للمواطن السوداني الذي قاسى كثيراً وعانى في (عام الرمادة) هذا كما لم يعانِ في سابق أيامه منذ الاستقلال، خاصة من أزمة السيولة التي حرمت حتى الفقراء من أموالهم الشحيحة المودَعة لدى البنوك وحطّمت النظام المصرفي أو كادت جراء فقدان الثقة التي غادرت ولا أظنها ستعود إلا بشق الأنفس.

كما قلتُ فإن التشكيل الوزاري حسب رأي كثير من الناس، كان مُخيّباً للأمال، ولم يشبه بداياته المتمثلة في اختيار معتز موسى والتي ملأتهم أملاً بأن القادم أحلى سيما بعد اعتذار (خازن المال) الذي تعلّقت به الأمال.

صحيح أن هناك بضع إشراقات في التشكيل الوزاري، ولكنها كانت أقل بكثير من توقّعات الناس.

ذلك يُلقي على معتز تحديداً عبئاً كبيراً، وأقولها بملء في ومن واقع تجربة شخصية إنه عندما يكون الواقع بائساً فإن الناس يحسون بالتغيير بأقل جهد يُبذَل.

هناك مدارس مختلفة في هذا الصدد، فهناك مدرسة أحمد هارون في شمال كردفان، وهناك مدرسة إيلا في الجزيرة، في التأثير الإيجابي على الناس، ولن أستفيض في الشرح.

على المستوى الخارجي، هناك نماذج مشرقة في جوارنا ومحيطنا الإقليمي، مثل أبي أحمد في أثيوبيا وبول كاغامي في رواندا وغيرهما كثير، ولا أظن أن الرجلين (أشطر) وأصدق وأكثر إخلاصاً من معتز الذي أعرفه كما لا أظن أن بلادهما أغنى من حيث الموارد من السودان، فهل يفعل معتز ما ينتظره منه الناس أم يطوي صفحته، ويغيب في مجاهل وسراديب التاريخ؟

أرجو من معتز أن يكون قريباً من الناس من خلال توجيه خطاب شهري أو دوري صريح وشفاف، عبر الوسائط الإعلامية على غرار ما كان يفعل الرئيس نميري، فقد ساء الناس كثيراً أنه إبان أزمة الندرة التي لا تزال تمسك بخناقهم أنه لا أحد كان يشرح لهم أسباب ما ألمّ بهم، وما إذا كان ثمة أمل يلوح في الأفق.

لن يُحمّل الناس معتز أسباب الأزمة، وسيصدقونه إن أطل عليهم شارحاً حجم المشكلة، وكاشفاً خطته لمواجهتها.

ثانياً، أُناصح معتز بأن لا يُحطم الصورة الزاهية التي رُسِمت له في أذهان المواطنين ببداية صادمة، فقد (انخلعت) قلوب الكثيرين من أول حديث له عن (صدمة) توعّد بها المواطن، وأقول له ناصحاً إنه إن كان مصرًا على تهديده ووعيده ويرى فيه ضرورة لا غنى عنها ولا بديل فعليه أن يواجه من خلال الإعلام جمهوره الصابر الذي كان ينتظر إخراجاً من حالة الضنك بدلاً من إرهاقه بالمزيد من الأعباء ليُقنعهم باضطراره إلى (أكل الميتة ولحم الخنزير) الذي لا يرى بديلاً غيره، بالرغم من أنه سيكون قاسياً ومؤلماً.

أواصل

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى