ناهد قرناص

نظرية قاع الزجاجة

اخي حفظه الله ..كان يبذل الوعود للوالدة رحمة الله عليها ..بان كل طلباتها ستجاب.بعد حين من الدهر لم يسمه .ويطالبها بالصبر معه حتى يصل الى بر الامان في عمله الخاص الجديد ..ويردد جملة محددة في كل مرة (اصبري يا حاجة خليني اطلع من عنق الزجاجة)..طال الامد ..ولاحظت الحاجة عليه بوادر انفراج في حياته ..لكنه تراخى في تنفيذ الوعود ..انتظرته ذات يوم عندما أتى لزيارتها ..فبادرته قائلة (عبد الرؤوف ..اخبار القزازة حقتك شنو ؟ شايفاك طلعت منها وخليتنا نحن جوة).

الازمة الاقتصادية التي طالت مدتها ..وفاتت (الكبار والقدرها ) ..كل ما اتى ذكرها ..طالبنا ولاة الامر بالصبر (حتى نخرج من عنق الزجاجة) ..وقد طال عنق الزجاجة حتى ظننا أنه عنق زرافة ..ولم يتغير شئ في الامر ..لكن اغلب الظن وبحكم الدلائل والبراهين المتاحة ..فان الجماعة قد خرجوا منها وتركونا قابعين في اسفلها نندب حظنا وامالنا .. ..فاذا دار محور سؤالكم عنا ..فنحن في افضل حال ..

لقد تأقلمنا على قاع الزجاجة …وتعايشنا مع الواقع ورتبنا أمرنا على ذلك ..حتى صارت الحقوق الاساسية متطلبات رفاهية ..ومثار سخرية ان طالبت بها …على سبيل المثال ..ان قطعت الكهرباء ..تجدنا نفتح النافذة لنعرف هل القطع عام ؟ وبمجرد التاكد تجدنا نتنهد الصعداء ونقول (الحمد لله ..القطع عام) ..تقطع المياه (نسعي البراميل ) ..يحدث شح في الدقيق ..نبرمج حياتنا على صف العيش ..الخ ..الخ

صديقتي ذهبت مع اسرتها للمسرح القومي (الواحد دا) ..طلبوا مقاعد امامية .فقيل لهم انها جميعا مشغولة ..فدفعوا ثمن تذاكر خلفية ..وعندما أرادوا الدخول ..تفاجاوا انه ليست هناك اي مقاعد في الخلف ..(مسرح شماعة)..غضب زوجها من الامر وأراد الاحتجاج ..لكن احد اولادهم قال لهم مندهشا من غضبهم (اصلا ما في مقاعد ورا ..نحن بنجي نحضر الحفلة ولا المسرحية وقافي ) ..فتركا كل شئ وصارا يحاولان اصلاح فكرة المسرح ( الشماعة ) في ذهن ابنهما ..

عندما حكت لي قصتهما ضحكت وقلت لنفسي الان وجدت تعريف لجيلنا ..نحن جيل البرزخ الذي شهد انهيار كل شئ .. هناك جيل مؤتمر الخريجين ..وجيل الاستقلال ..وناس ثورة اكتوبر ..نحن منو ؟؟ نحن الذين طال مكوثنا في عنق الزجاجة حتى نسينا ما الذي يجري خارجها ..وخلف من بعدنا خلف .لم يألفوا غير قاع الزجاجة …
وقد كنت اتفكر كثيرا في حال الشباب ..لماذا تجدهم (كاسرين الحنك؟)…لماذا يفكرون فقط في كسر الزجاجة والسفر خارجا ؟ حتى الذي اقعدتهم ظروفهم عن الرحيل تجدهم لا يريدون معرفة الكثير عن بلادهم ..فهم في انتظار اي بارقة (للمخارجة) ..فقد نشاوا دون ان يعرفوا ان لهم حقوقا في هذه الارض .. لذلك تجدهم ببساطة لا يملكون اي احساس بالانتماء لها ..

فهي مجرد قاع زجاجة (خالية حتى من مقاعد المسرح) ..شاءت اقدارهم ان يولدوا بها فقط لا غير ..لذلك اي تغيير في ( قاع الزجاجة) لن يثير اهتمامهم ولن يلفت انتباههم ..فمهما حدث ..سيظل القاع هو القاع ..والحال ياهو نفس الحال ..وستجدهم سيرددون (دنيا تتغير ..ودنيا ادمنت عشق الثوابت).
الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى