ناهد قرناص

الخرطوم محل الطيارة بتقوم

توقفت هذا الصباح لإلقاء التحية على آدم سيد الدكان.. كنت دائماً ما أجده في الصباح وحيداً بالقرب من صاج الطعمية.. اليوم وجدت السيد (فتح الرحمن) جارنا بجانبه، وكان يتحدث مع آدم حديثاً ضاحكاً.. ألقيت عليهم التحية (سلامات يا آدم.. كل عام وأنت بخير).. كان رده التقليدي (كيف هاجة أم عبد القادر.. القابلة في عرفات إن شاء الله).. ثم استطرد قائلاً: (لمان ما ظهرتي في العيد، قلت الجماعة ديل يكونوا سافروا بلدهم البعيد داك).. يعني حلفا.. قلت له: (والله يا ريت.. كنت ناوية أسوق العيال ونمشي حلفا الجديدة.. سألت من التذاكر لقيت الواحد يكلف مبلغ وقدره ماشي جاي.. يعني إن شاء الله نحن كنا حندفع ملايين تذاكر بس.. دا غير حق الخروف).. هزَّ رأسه موافقاً وقال: (بالله؟؟؟ عليك الله ما حرام عليهم الناس ديل؟؟ أنا وإسحاق ويعقوب كنا عايزين نمشي دارفور.. برضو لقينا القروش كتيرة كدا.. أهو قعدنا في البلد دا)..

هنا تدخل فتح الرحمن: (في كل العالم المواصلات في المواسم بتبقى أرخص وبيعملوا عروض للتذاكر لأنو الناس كلها بتكون عايزة تسافر.. إلا في السودان.. نحن بنستغل ظروف بعض ونحاول نحقق أكبر ربح من المواسم بدون مراعاة لظروف الناس وحوجتهم أنهم يصلوا أهلهم ويقضوا معاهم العيد).. هززت رأسي موافقة.. وقلت له: (يعني يصعب علينا حتى السفر لقضاء أيام العيد في بلدنا وفي نفس الوقت يطلع لينا واحد يقول ناس الولايات يرجعوا ولاياتهم عملوا لينا زحمة في الخرطوم.. أها الزينا كدا أنا وآدم دا.. نعمل شنو؟؟؟).. ضحك آدم وقال لي: (ما تسمعي كلامهم.. نحن شغالين هنا بالسنين من زمن المكان دا كان ما فيهو جن أحمر).. قلت في نفسي ترى متى أتى الجن الأحمر وسكن بيننا؟؟؟؟

هز فتح الرحمن كتفيه وقال: (الولايات دي كانت أفضل من العاصمة بمراحل.. وكان الواحد أول ما يتخرج يمشي يشتغل في بلده.. ترقيته تصله هناك.. الترشيحات بتاعة تدريبه تجيهو في مكانه.. كان كل شيء ماشي كويس.. لما اتدهورت الخدمات وبقى إنسان الريف إذا عنده أي حاجة لازم يجي الخرطوم.. قمنا نزحنا.. من جميع الجهات).. كنا نحن الثلاثة من النازحين الذين كانوا يعتقدون حتى وقت قريب أن حقهم في العاصمة لا يختلف عليه اثنان.. ولكن بعض التصريحات من هنا وهناك وبعض (المطاعنات) الإسفيرية والواتسابية جعلتنا نعيد النظر في أحقيتنا.. وشكلنا حنعمل رابطة النازحين والمؤلفة قلوبهم الذين تحدثهم أنفسهم بالنزوح.. فجأة اكتشفت أن أغلب أصدقاء طريقي اليومي من النازحين..

وسكان الضواحي وطرف المدائن.. فانتابني قلق خفي وشعور مرعب بأنني يمكن أن أفقدهم يوماً ما (لو جات الكشة وفتشوا الإقامات).. عليه وتحسباً لأي طارئ.. يا ناس (الخرتوم) هوووي ما عندكم كفيل يكفلني أنا وآدم سيد الدكان؟؟؟ أما فتح الرحمن فقد نال التابعية بالنسب وكدا.. عند هذه الخاطرة ابتسمت تلقائياً فقد أتى في ذهني ذلك الأوبريت (قالوا لي في الخرتوم جنينة البلدية.. وقالوا كان شفتي الفسحة بالعصرية.. وقالوا لي في الخرتوم البت تسوق عربية.. يا ربي وتصرف الماهية)..

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى