*هذا اعتراف بعد عقود من الزمان..
*فقد كنا دفعة معجونة بماء الشياطين… في فصل اسمه (الغزالي)..
*وكبيرنا – أو إبليسنا – هو الزميل صديق إبراهيم..
*ولكنه كان شيطاناً جميلاً؛ يجيد الغناء… والتمثيل… وكرة القدم..
*وفي يوم بلغ (جِنُّه) هذا تمام كماله فغنى لنا خارج الفصل… على غير العادة..
*أو غنى لنفسه؛ فتبعناه نحن نغني لأنفسنا على وقع غنائه..
*كان أستاذ الحصة غائباً… وأدوات الغناء حاضرة؛ الجن… والحناجر… والطبل..
*ولم يكن الطبل سوى درج مكسور على جانب من الممر..
*وفي الممر هذا بدأ الحفل النهاري بجرأة احتار إزاءها إلى اليوم… عند تذكُّرها..
*وانطلق صوت إبليسنا المبدع يغني :
زاهي في زيك في وسامتك… آااه..
ما نحنا عايشين على ابتسامتك… آااه..
ما انت ريدنا… آااه….. ما انت ذاتنا… آااه..
ما انت نعمة ومن الله جاتنا…آااه..
*وعقب فراغه من كل مقطع تمد خلفه الشياطين مفردة (آه) صارخةً بها… إعجاباً..
*ولم يعكر صفو حفلنا ذاك إلا مقدم المدير صائحاً : الله… الله..
*ثم ضرب كفاً بكف صارخاً (بالله انتو شبه غزالي انتو؟!… قال غزالي قال)..
*وواصل بغضب (انتو شبه بشار… أبو نواس… ديك الجن)..
*فانفجرنا ضحاكين للاسم الأخير هذا كما لم نضحك طوال فترة دراستنا الثانوية..
*وضحك لضحكنا المدير… رغم إنه لا يضحك..
*وصارت المدرسة كلها تردد هذه الأغنية حيناً؛ فقد (جُنَّت) حتى الفصول العاقلة..
*وذهبنا نبحث في بطون الكتب عن ديك الجن هذا..
*فوجدناه شاعراً – مثل شبيهيه بشار وأبي نواس – منغمساً في حياة اللهو والطرب..
*ولا يأخذ أي قضية في الحياة مأخذ الجد… أبدأً..
*ولا يعجبه من الشعر الغنائي إلا الذي تتحرك له الغرائز… والأرجل… والأرداف..
*وشعرنا أن المدير ظلمنا… فلم نكن بكل السوء هذا..
*بل حتى الأغنية التي (ضبطنا) نغنيها هي أغنية سامية… راقية… محترمة..
*والآن لا شيء في عهدنا هذا إلا ويذكِّرني بديك الجن..
*فهو عهد مجنون؛ ينشغل عن قضايانا بالذي يحرك الغرائز… والأرجل… والأرداف..
*فضائيات تغني… ومهرجانات ترقص… وقيادات (تطبِّل)..
*وهموم بأحجام الراسيات الجبال (تُضرب) بالأغنيات… والتفاهات… والأمنيات..
*ولم يبق سوى أن تُبتكر وسيلة يُلهى بها الناس أثناء الصفوف..
*فيخرج من بين كل صف (إبليسه) – الذي يماثل زميلنا صديق – فيغني للواقفين..
*ويجن الصف؛ فيردد وراءه – مع مدٍّ حارق – (آاااه)..
*فإن كان التاريخ يتبدى رجلاً لظهر كظهور مديرنا ذاك صارخاً : الله… الله..
*ثم يضرب كفاً بكف قائلاً (بالله انتو شبه مشروع حضاري انتو؟!)..
*ويواصل بغضب (انتو شبه ديك الجن !!!).