الطيب مصطفى

عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ ؟!

ربما لم أشهد خلال عمري الطويل عيداً أشد بؤساً وضنكاً من عيد الأضحى الذي انقضى قبل أيام ولا أظن أن عيد شاعر العربية الأشهر أبي الطيب المتنبي كان أشد قسوة عليه من العيد الماضي على شعب السودان الصابر المحتسب، فلئن كان المتنبي قد شكا بُعد الأحبة بعد أن فرقت بينه وبينهم تلك البيداء الموحشة فإن معاناة أهل السودان خلال العيد كانت أشد مرارة وقسوة في كدهم من أجل الحصول على رغيف الخبز الذي بات مجرد (الظفر) به حلما تشرئب إليه الأعناق وتبذل في سبيله الساعات الطوال.

ليت الأمر اقتصر على ذلك البؤس فقد تواصل حرمان الناس من أموالهم التي حُبست عنهم (حُمرة عين) جراء تفاقم تلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لم يشهد السودان لها مثيلاً منذ الاستقلال فمن (ينعم) عليه مصرفه بألف جنيه أو ألفين من أمواله في زمن القحط والجدب هذا فقد أوتي خيراً كثيراً بالرغم من أن خروف العيد الذي ظل عبر التاريخ (واجباً اجتماعياً) لا يفرق بين الغني والفقير يكلف أربعة آلاف جنيه لا تكفي (عطية المزين) الممنوحة (بالعافية) لشرائه فأيهما بربكم الأحق بالشكوى من ضيق الحال ، المتنبي أم نحن الذين تجرعنا من صنوف الحرمان ألوانا؟! وأيهما جدير برواية قصته للتاريخ؟ المتنبي وهو يجعل الدهر منشداً لأبيات شعره وعيده الفخيم في قصر كافور أم نحن الذين لا نزال نتمرغ في عذابات صفوف الخبز والبنزين والجازولين والغاز والنقود بعد أن تقلصت أفراح وطموحات شعب السودان حتى بات مجرد الحصول على رغيف الخبز أمنية عزيزة المنال؟!

حملت صحف الأمس أخباراً سارة عن انحسار في صفوف الخبز ولكن من يضمن استمرار تلك الفرحة التي ما عادت تستمر إلا أياماً تعقبها عودة للصفوف من جديد .. فكم مرة بالله عليكم حدثت أزمة الوقود خلال السنة أو السنتين الماضيتين وكم مرة شهدنا أزمات في الغاز ثم كم مرة حدثت ندرة في الدقيق والقمح بل إلى متى تستمر أزمة السيولة التي لا يعلم أحد متى تنتهي سيما بعد أن فقد الناس الثقة في النظام المصرفي وتقهقروا إلى اقتناء الخزن الحديدية المنزلية كبديل للمصارف التي بغضت الناس فيها وفي النظام المصرفي برمته؟!

العجب العجاب أن يصدر قرار مفاجئ جديد يأمر جميع المؤسسات الحكومية بتحويل أموالها المودعة لدى البنوك التجارية إلى بنك السودان وكأن قرار منع المودعين من سحب أموالهم من المصارف ليس كافياً لإلحاق الأذى بالجهاز المصرفي ولست أدري والله ماذا بقي للمصارف التجارية لكي تفتح أبوابها وتعمل؟!

بالله عليكم من ذلك العبقري الذي غيّر من وظيفة ومهمة بنك السودان كجهاز تنظيمي يضع السياسات النقدية ويُشرف ويُنظم عمل البنوك التجارية وليس منافستها أو الدخول في العمل التجاري التنفيذي؟!

من سمح لبنك السودان كجهاز تنظيمي بشراء الذهب وإنشاء الشركات لذلك الغرض بالرغم من أن وزارة المالية وبنك السودان ينبغي أن يكونا حرباً على الشركات الحكومية التي تسلب وزارة المالية اختصاصها كوالٍ على المال العام؟!

ماذا دهانا أيها الناس حتى بلغنا هذه الدرجة من التردي الذي ظلت (الإنقاذ) تسلق سابقيها بألسنة حداد أنهم رموا السودان في مستنقعه الآسن وماذا يملك أهل الإنقاذ أن يقولوا للناس بعد ما يقرب من 30 عاماً من حكمهم وقد شهد اقتصاد السودان من التردي ما جعل الصفوف مقرراً يومياً يطول كثيراً من احتياجات المواطن الضرورية بما في ذلك رغيف الخبز والوقود بل والنقود التي حرم المواطنون منها رغم أنها من حر مالهم؟!

والله أني لا أجد حرجاً في أن أستعين بخبرات أجنبية لتُدير شأننا الاقتصادي بذات الصورة التي يستعين بها العالم بنجوم كرة القدم بل أن الدول الغربية المتقدمة تبذل من أجل استجلاب العقول التي تقوم عليها نهضتها الصناعية فما الذي يمنعنا ، وقد حار بنا الدليل ، من الاستعانة بخبرات أجنبية؟ هل نحن أكثر تقدماً من دبي مثلاً التي تعج بالخبراء من شتى دول العالم بما في ذلك السودان؟!

أعلم أن جزءاً كبيراً من الأزمة معلوم ولا يحتاج إلا إلى قرارات تُنهي الفساد وتُنهي سطوة مراكز القوى وتقضي على التجنيب وتُعيد النظر في الانفاق الحكومي وفي الصرف البذخي وفي الحكم الفيدرالي ولكن لا ينبغي أن نستبعد أي خيار يمكن أن يُنهي أزماتنا حتى ولو اقتضى الأمر الاستعانة بالخبرات الأجنبية.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى