أخباررأي

الخرطوم تعيد مجداً في التاريخ.. والبشير يرسم الفرحة على شفاه أهل الجنوب ويغضب آخرين..

ذلك أن الاتفاق الذي أبرم في يومي السادس والسابع والعشرين من يونيو الجاري بمبادرة مباركة من فخامة الرئيس عمر البشير والتي حظيت بتأييد واسع على المستويين الإقليمي والدولي، وقطعاً ولا شك ستجد نصيبها من التأييد الرباني لأنها ستسهم في حفظ دماء أشقائنا بجنوب السودان وستحيي جيلاً جديداً مفعماً بالعطاء ومملؤا بالأمل الوثاب (ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً.. )..(و الصلح خير..) فهو يعد بمثابة صفحة جديدة في كتاب الصراع بين فرقاء الجنوب الذين وحدتهم رغبة الانفصال عن الدولة الأم وفرقتهم مطامع الهوى والشيطان وحظوظ النفس في بلوغ سدة السلطان ولو على أنفسهم وأهليهم ، وهاهم يجتمعون قبل يومين على ضفاف النيل ورائعة الراحل الموسيقار محمد وردي (يابلدي ياحبوب) ، ينشدون التلاقي والتصافي بروح جديدة تضع صناديق الذخيرة جانباً وتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها صناديق الاقتراع..

حسناً فعلت قيادة الخرطوم بإطلاق هذه المبادرة والتي تأخرت كثيراً وأًذكر أنني كتبت قبل (عامين ونيف) رؤية لقيادة حوار جاد من الدولة الوليدة تعزز فرص التعاون والتلاقي وتمكن من تحقيق الأهداف المشتركة عبر الإسهام الفياض في تحقيق السلام على أرض الواقع وتدعو إلى التكامل الاقتصادي بين البلدين .. ولكن لئن تأتي متأخراً (خيراً) من أن تكون غائباً..

هذه المبادرة دعت طرفي النزاع بجنوب السودان إلى حوار مباشر حول نقاط الخلاف قدمت فيه حكومة الخرطوم نضجاً سياسياً رفيعاً يحسب لها في تاريخ صناعة السياسة الاقليمية، فالخارجية السودانية عملت بتوجيهات محكمة ورميات رئاسية مسددة في التواصل مع دول الجوار وكل من له صلة واصلة بملف الجنوب، وقدمت تنويراً عن بنود الاتفاق ومساعي الخرطوم لرأب الصدع بين فرقاء الجنوب حظيت بمساندة الاتحاد الأفريقي ، و(معظم) دول الجوار وتوجت بقمة طارئة للإيقاد لبحث خارطة الطريق التي رسمت ملامحها بيد صناع القرار بالخرطوم ، وبموجب المبادرة فوضت القمة الثانية والثلاثين للإيقاد الرئيس البشير بتنسيق مباحثات مباشرة بين خصماء الجنوب لتسوية القضايا الأمنية والسياسية ، وأضاف التفويض أيضا بحث ترتيبات اقتصاد جمهورية جنوب السودان وذلك من خلال تعاون ثنائي ومباشر مع الخرطوم..

# ملامح الاتفاق..

بمشاركة إقليمية ودولية وبعثات دبلوماسية وقع خصماء النزاع بدولة جنوب السودان كطرفين ملتزمين بما ورد في وثيقة الخرطوم للسلام، ووقع الرئيس البشير كضامن للطرفين ، ولتنفيذ مخرجات الاتفاق، أقرت الاتفاقية على البنود الآتية ..

– وقف دائم لإطلاق النار في كل أنحاء جنوب السودان خلال 72 ساعة من توقيع الاتفاق وسحب القوات الصديقة من جميع مسارح العمليات..

– اتخاذ الترتيبات الأمنية اللازمة لجعل القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن ذات طابع قومي خال من القبلية والنزاعات العرقية، وسحب كافة أنواع الأسلحة من المواطنين وجعلها بيد الجهات النظامية فقط..

– بدء فترة انتقالية مدتها 30 شهراً يتم خلالها تقاسم السلطة وفقاً للصيغة التي يتفق عليها عند إقرار مقترح التجسير المعدل، وتهيأ بعدها البلاد إلى انتخابات قومية بمشاركة كافة الأحزاب وأن تكون حرة ونزيهة..

تكثيف الجهود والمساعي لتحسين البنى التحتية والخدمات الأساسية ومناشدة المجتمع الدولي للإسهام في تطوير البنى التحتية المتصلة بمعاش المواطنين الجنوبيين..

– تأمين حقول النفط في ولاية الوحدة وتارجاث، وأن تتولى حكومة جنوب السودان بالتعاون مع حكومة السودان إعادة تأهيل الحقول النفطية حسب مايتم الاتفاق عليه..

# البشير يرسم الفرحة على شفاه أهل الجنوب ويغضب آخرين..

بهذه المبادرة (الانساسياسية) والتي تجمع بين الإنسانية والسياسية والتي تعد رصيداً ممتازاً في بنك القيادة السياسية بالسودان ، يمكن أن نقرأ النقاط الآتية ..

– هذه المبادرة ستزيد رقعة الثقة بين شعبي البلدين وقيادتهما السياسية، وتؤكد على أن المشتركات والكليات أسمي من صغائر الخلافات وإن بعدت الشقة ورسمت الحدود وسعى الكثيرين لقطع الاواصر ، بل ستبعث الأمل وترسم الابتسامة على وجوه أبناء وبنات شعب الجنوب بأن هنالك من يسعى للخير بين الشعوب..

– هذه المبادرة أعادت للخرطوم دوراً إقليمياً غابت عنه لوقت من الزمان.. استغلته دولاً مجاورة بغرض تأجيج الداخل السوداني وتمرير الأجندة الخاصة بها والبحث عن مخرج لأزماتها التي تلوح في الآفاق..

– توقيت إطلاق المبادرة أعاد للرئيس البشير بريقه على الساحتين الإقليمية والدولية وأجبر معاديه للاعتراف بدوره في المنطقة وقدرته على إحداث اختراق في قضاياها المصيرية ، بل جعلهم يثنون على هذه المبادرة ويصفونها بالخطوة المهمة من حيث المكان والتوقيت..

– هذه المبادرة بلا شك تعد ذات طابع أخلاقي وانساني بحكم العلاقة الأذلية بين السودان وجنوب السودان ، فلئن كتب الله لها النجاح والتنفيذ على أرض الواقع سيصيب القيادة السودانية كفلين من رحمة الله (حقن الدماء وبعث الأمل.. )، ولئن نكس طرفاً الاتفاق فلحكومة السودان أجر المسعى والاجتهاد..

– من منظور اقتصادي لواقع السودان فإن اللقاءات المصاحبة لوزيري البترول وتوقيع اتفاقيات التعاون وضخ النفط بين الشمال والجنوب فإن المبادرة أحدثت اختراقاً كبيراً سيسهم في ترتيب واقع الاقتصاد السوداني إلى حد كبير ..

– هذه المبادرة ستغضب دولاً مجاورة تسعي عبر مخابراتها لتمزيق الداخل السوداني اقتصادياً وأمنياً وعبر الشائعات الممنهجة على (مواقع التواصل الاجتماعي) ، بل الاستفادة من الحرب في جنوب السودان عبر توفير السلاح مقابل النفط ، وتأمين توفير المياة لها عبر قناة جونقلي كبديلاً لنقص حصتها جراء ملء سد النهضة الإثيوبي..

– هذه المبادرة تفتح الطريق لصياغة رؤية مماثلة لترتيب الوضع (بليبيا) كدولة مجاورة تعبث بها أيادي كثيرة تتصارع حول مواردها في ظل عدم وجود حكومة معترف بها..
فاستقرار الأوضاع في جنوب السودان وليبيا سيعزز من فرص الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للخرطوم ، والعكس بالعكس..

ختاماً.. مايمكن تلخيصه والدعوة إليه هو أن (الممارسة السياسية الراشدة تقود إلى واقعاً اقتصادياً متماسكاً.. وأن الاستقرار الاقتصادي سيعزز من إعلاء الصوت السياسي ولعب أدوار محلية وإقليمية .. )

بقلم : د. أحمد المصطفى نواي

الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى