حوارات

بروفيسور حسن الساعوري:الحكومة دجنة النقابات والشعب لا يملك  ارادة لإحداث التغيير لهذا السبب(…)

 

بالرغم من إرتفاع معدل الوعي السياسي في الشارع العام السوداني في فترات سابقة إلا أنه لم يتم على الإتفاق على إرساء قواعد راسخة للديمقراطية والسبب رغبة كل حزب سياسي في تغليب مصلحته للبقاء في سدة الحكم بل تزايدت السيناريوهات التي يتم (حبكها) فيما يعرف بــ (الحفر) الذي ظل خياراً ثابتاً في المشهد السياسي بالبلاد منذ الإستقلال وحتى اليوم ، مما دعاه لتأليف كتاب بعنوان (السودان ودوامة غالب مغلوب) ذلك ما أدلى به المحلل السياسي بروفيسور حسن الساعوري وهو يفتح صدره لـ(كوش نيوز) ويخرج الهواء الساخن وبين ثنايا ذلك أدلى باعترافات تتعلق بممارسته العمل السياسي…

ما الذي نستخلصه من تجارب في أنظمة الحكم التي تعاقبت على بلادنا؟

نستخلص عدم صبر كل حزب على الآخر وتفضيل المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة وغض الطرف عن ما يجلب المصلحة العليا للبلد وعدم رضا كل حزب بالآخر ويسري ذلك على كل الأنظمة بما فيها نظام عبود الذي أعلن بعد مقدمه أنه جاء من أجل مصلحة البلاد العليا وحتى لا تتدهور العلاقة بينها ومصر فأبرم إتفاقية مياه النيل عام 1959م بعد مقدمه بعام حتى يتجنب شر مصر ويكسب الأشقاء والاتفاقية كانت ظالمة للسودان.

ماذا عن المعارضة في ذلك الوقت؟

طبعاً المعارضة كانت مستمرة ، نشط فيها أزهري وجماعته حتى أثناء تواجدهم داخل السجن بجانب المعارضة الطلابية في جامعتي الخرطوم والقاهرة الفرع والمعهد العلمي بأمدرمان ، وفي المدارس الثانوية القوية وقتها وتشمل أربعة مدارس هي وادي سيدنا وخور طقت وبورتسودان وحنتوب.

ما هي الأسباب التي أفقدت شعار مقتل طالب مقتل أمة بريقه في الثورة على الرئيس نميري؟

في عهد نميري إنشق الحزب الشيوعي على نفسه بعد أن لم يصبر الجناحان على بعضهما (عبدالخالق وسورج) وتم حله بحجة أن أحد الطلاب الذين ينتمون إليه سبّ السيدة عائشة رضي الله عنها في المعهد الفني الذي صار لاحقاً جامعة السودان بعد مطالبة عدد من النواب البرلمانيين الممثلين لأحزاب الختمية والأنصار والأخوان المسلمين بضرورة إصدار قرار لحل الحزب الشيوعي وكان ذلك بداية (الحفر) في العمل السياسي ردها لهم بعد مرور فترة بتحرك الضباط الأحرار اليساريين والناصريين والقوميين العرب وإستلموا السلطة وجاء نميري الذي كان نظام عسكري مدني بدأ شيوعي وبالتالي كان مرفوض داخلياً من الطوائف الدينية ومن الأخوان المسلمين كما أنه كان مرفوض عالمياً من المعسكر الغربي كله وبدأ عمل داخلي وخارجي ضد النظام.

ماذا حدث للمصالح الحزبية في تلك الفترة؟

إستمرت المصالح الحزبية داخل الحزب الشيوعي وبينه وبين النميري وكان الأول يطرح سؤال هل ينفرد الحزب بالسلطة أم يتم تكوين جبهة عريضة وهكذا إنشق الحزب جناح عبد الخالق وجناح سورج وإنتقل الصراع مع حكومة نميري الذي كان مع الجناح الثاني وهكذا لم يصبر الشيوعيين أنفسهم لبعض فلو صبروا على بعض لما إنشقوا ولو ما إنشقوا ما كان الإنقلاب الذي قاده هاشم العطا وعبارة (ما صبروا على بعض تصطحبنا حتى اليوم) وكانت تلك ضربة قاسية على الحزب الشيوعي وتم فيها قتل زعامات أبرزها عبد الخالق محجوب وجوزيف قرنق ورئيس إتحاد العمال الشفيع أحمد الشيخ.

إذن تم رفض العمل المشترك ؟

نعم ذلك هو ما حدث وبناء على تلك الإتفاقات قامت مؤسسات إسلامية في مقدمتها بنك فيصل الإسلامي وبنك التضامن الإسلامي وشركات التأمين الإسلامية وكانت تلك فرصة للإسلاميين لتكوين قاعدة شعبية غير القاعدة الطلابية وقد كنت مسئولاً عن التجنيد في المدارس المتوسطة وقد تم ذلك حيث إرتفع عددهم من (3) نواب في البرلمان إلى (51) وسقط نميري في النهاية بثورة شعبية وكان للوعي الشعبي العام دور في ذلك.

هل إستمر (الحفر ) في العمل السياسي؟

نعم فـ(أحفروا لبعض) إستمرت منذ الإستقلال حتى اليوم حيث صرّح الرئيس بنفسه بقوله (يا أخوانا كفاية حفر) وذلك يعني أنهم حفروا وفتروا وذلك داخل الحزب وذلك يعني أننا لا نصبر على بعض حتى داخل الجماعة الواحدة.

ما هي نتيجة (الحفر) المباشرة؟

كان لابد للبلد أن تضيع لأن الديدن العام الذي يحكم الأحزاب نفسي فقط مع عدم قبول التعايش مع الآخر وكأنما هناك قيمة مثلى في العمل السياسي السوداني تؤكد على ضرورة الإنفراد بالسلطة وكأنما هناك أمر مخفي.

إذن هناك تناقض في ساحة العمل السياسي؟

هناك تناقض بائن فبالرغم من الوعي السياسي المشهود كل فرد يحب ذاته وكل يود أن يكون الرئيس.

هل هناك وعي سياسي حتى يومنا هذا؟

الوعي السياسي إنتهى الآن فالناس يتحدثون وينتقدون لكن دون فعل يرجح كفتهم.

هل يمكن أن يكون سبب ذلك عدم الثقة في الأنظمة الحاكمة؟

فاض الكيل بالشعب وإحتار فيما يمكن أن يلجأ إليه وصار تائه فضعفت الطائفية وهذه حسنة وهو السبب الأساسي في ظهور القبلية فبدلاً من وجود طائفتين كبيرتين ينضوي تحتها كل الشعب توجد الآن قبائل متعددة وبدلاً عن خمسة أحزاب سياسية لدينا اليوم (103) حزب برامج متشابهة ومازالت المشكلة قائمة فكل منها غير مستعد للتعاون مع الآخر وكل يعتقد أنه الأحسن ، و الغريب أن الإختلافات غير جوهرية وغير شرعية فالترابي إنشق عن الإسلاميين بسبب كيفية إختيار الوالي هل ينتخب أم يعيّن وهل يكون هناك مجلس وزراء أم لا يكون وهكذا تدهورت الساحة السياسية (بأحفر لي وأحفر ليك).

هل شغلك الحفر بين النخب الحاكمة كمحلل سياسي؟

بالطبع شغلني لدرجة أني ألفت كتاباً أسميته (السودان ودوامة غالب مغلوب) ولم أشأ القول (أحفر لي وأحفر ليك).

ما هي مآخذك على حكومة الوفاق الوطني؟

كثيرة وأهمها تقديم برنامجها لمجلس الوزراء بعد مرور عام على تكوينها وكان من المفترض بمجرد الوصول لتوصيات مؤتمر الحوار أن يكون برنامج يتم تقديمه لمجلس الوزراء ثم البرلمان لتصبح قوانين لازمة التنفيذ وذلك يخدم رغبة المؤتمر الوطني مع التباطؤ في التنفيذ لكن من مصلحة أحزاب الوفاق الوطني الأخرى إنجاز العمل على وجه السرعة.

ما هي الأسباب حسب تحليلك ؟

يمكن أن يكون ذلك جهلاً أو عمداً لكن على كل لا يمكن أن يكون ذلك مستوى سياسيين إتفقوا مع الرئيس وذلك يحكي تدهورنا في ممارسة العمل السياسي على الساحة الحزبية فبدلاً من وجود صراع طائفية بين متعلمين صار لدينا صراع طائفية ومتعلمين بجانب صراع متعلمين ضد متعلمين إسلاميين وبعد قليل صراع قبلي.

ماذا تعني بذلك تفصيلاً؟

أعني أنه بدلاً من صراع في دارفور الذي كان يدور بين التجانية والأنصار صار بين (99) قبيلة فكرّس ذلك للبعد القبلي الذي لم نستطع الخروج من دوامته.

ألا يقود عدم مقدرة المواطن على الحصول على السلع الإستهلاكية لفرض همينته بإحداث ثورة؟

هنا لابد من ملاحظة مفادها أن السلع متوفرة ومعروضة كما أن الطلب متوفر وفي ذلك تناقض يعني (مافي زول مات من الجوع) وبشكل خاص في الأطراف والمجتمعات التي تنتج ما تحتاج والضغوط ممارسة على قاطني أواسط المدن الكبيرة بشكل خاص لإعتمادهم بشكل تام على السوق.

هل كان ذلك ضمن إفرازات سياسات إقتصادية كالخصخصة مثلاً؟

كل ذلك يصب في تناقض كبير فيفترض أن يؤدي الغلاء الشديد في السلع لكساد لكننا لم نسمع التجار يشتكون والحقيقة وجود طبقة كبيرة من ذوي الدخل غير المحدود ويدخل في ذلك السماسرة وكل من يعمل في السوق بما في ذلك ماسح الورنيش وتلك مشكلة فالخصخصة وجهت الناس لعدم تفضيل الدخل المحدود فكمية كبيرة توجهت للعمل الحر فأفرزت الطبقة الكبيرة التي ذكرتها سابقاً وإنعكس ذلك سلباً على الأفندية بتدهور أوضاعهم الإقتصادية وصار هناك تراجع عام.

هنا دور يجب أن تلعبه نقابات العمال؟

نعم ولكن الحكومة تعمل على مساعدتهم على تحمل غلاء المعيشة ففي كثير من الأحيان تعمل على توفير المواد التموينية على سبيل المثال بالأقساط كما تعينهم على إمتلاك الأجهزة الكهربائية بذات الطريقة فالعمال صارو يمتلكون جهاز المياكروويف وليس ذلك تقليل من مكانتهم لكنهم قبلاً كانوا لا يستطيعون توفيره ذلك كله فتح باب الفساد الفردي.

كيف ذلك؟

يبدو ذلك جلياً في كثرة المطالبة بالحصول على حوافز وسط العاملين في الحكومة نظير أي عمل وإن كان يدخل ضمن الوظيفة التي يشغلها الفرد وذلك شكل من أشكال الفساد.

إتهام يطالكم فحواه أنكم كأكاديميين لم تقدموا الروشتات التي يمكن أن تنعش الإقتصاد بعد معالجة أزماته؟

لا أقول أنهم قصروا فالأكاديميين والمثقفين كانوا هم المخططين للحكومة وقد قاموا بدور كبير فلديهم القدرة والعلم وذلك من خلال خبرتهم فالأفندي كان يبتعث بعد ممارسته العمل أربع سنوات خارج البلاد دون إعمال للمحاباة فالجميع سواء والكل يستحق الإبتعاث بنص القانون وبعد مقدمهم ومرور أربع سنوات أخرى يبتعثون لتحضير الدكتوراة وبشكل عام فإن الأكاديميين في يدهم القلم لكن ليس بمقدورهم إتخاذ قرار واليوم هم فقدوا التدريب الذي كان يقدم لهم بعد تخرجهم من الجامعة.

كيف تكون المحاربة المثلى للفساد؟

بدءاً لابد من تربية الناس على تحري الحلال وعدم الفساد وعدم الصمت حال رؤية فساد وهذه تشترك فيها جهات عديدة كالأسرة والمجتمع ومؤسسات التعليم والإعلام بإتجاه آخر لابد من وضع الضوابط والشروط واللوائح الإدارية لتحديد كيفية صرف المال العام كما أنه لابد من المحاسبة وتتضمن تنفيذ القوانين عبر القضاء المستقبل.

أين نحن من ذلك؟

أنا حيران فبعض الفاسدين اليوم كانوا في شبابهم على درجة من الإلتزام والتدين كما أنهم لم يتأثروا بالبيئة الفاشلة المحيطة بهم وكثير منهم إنهاروا بعد بلوغ الستين من العمر وبإختصار ما يحدث سببه عدم التمسك باللوائح التي كانت موجودة سابقاً ومنها ديوان شئون الخدمة الذي كان يقر الحوافز وزيادة المرتبات ونحو ذلك وترك الباب مفتوحاً للمسئول يتصرف في المال كيفما شاء وفتح ذلك الباب للمأكلة في ظل ضعف الرقيب الداخلي.

رغم الضغوط الإقتصادية إن المواطنين يراقبون فقط دون أن يبدوا ردة فعل. ما تعليقك؟

المواطنون لا يريدون إحداث ثورة بالرغم من أنهم قادرين على إحداثها ، في السابق كان المواطنين يدخلون في إضرابات ويرددون عبارات مناوئة لنظام الحكم الذي يرفضونه والآن الإضراب شبه مستحيل فالنقابة مدجنة بشكل من الأشكال والثورة لم تعد هي الخيار والسبب التغيير الذي طال البنيان النقابي وتم تبديل النقابة العامة بنقابة المنشأة ، فقد شاركت سابقاً في نقابات وأعلم ما يدور داخلها.

هل يملك المواطن الإرادة لتغيير النظام؟

المواطن لا يملك إرادة في تغيير النظام بشكل من الأشكال كما أن الصراع الحزبي في دول أخرى دمر مدن وبلاد وشعوب وأبرز تلك الصراعات ما يدور في ليبيا واليمن وتلك مؤشرات جعلت المعارضة تتردد في إستخدام السلاح لذلك صار حزب الأمة مثلا يتحدث عن الإنتفاضة المحمية.

كيف يتعافى المشهد السياسي من المشكلات التي ألمت به؟

لن يحدث ذلك إلا بالتعايش بين الحكومة والمعارضة وداخل كل حزب.

ما تعليقك على حديث البرلماني الذي أفاد بأن البلاد تتآكل من أطرافها؟

حديثه جاء متأخرا فالشرق ليست به مشكلة تآكل والغرب بدأ يستقر والجنوب أقتطع بالرغم من إتفاقية نيفاشا التي تؤكد في إحدى محاورها على أنه لا يجوز إجراء إستفتاء قبل حسم القضايا العالقة فلماذا أجري إستفتاء قبل حسمها والآن مشكلات السودان الدورية مع دولة الجنوب وليس غيرها فالجنوبيين تطبعوا بالـ (الحفر) الذي تشبعوا به في الشمال قبل إنفصالهم.

حنان كشة

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى